الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن رحمة الله تعالى بعباده أن تجاوز لهم عما وقع منهم على سبيل الخطأ، أو النسيان، كما قال الله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، وقال الله في جوابها: قد فعلت. أخرجه مسلم.
وهذا عام يشمل كل ما فعله المسلم ناسيا، أو مخطئا لجهله بالحكم، أو لتأويل اقتضى ذلك الخطأ، فمن فعل من المعاصي، أو المكفرات ما يتصور جهل مثله به، أو ما يتصور وقوعه على جهة النسيان فإنه غير مؤاخذ، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: وإذا ثبت بالكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان، فهذا عام عمومًا محفوظًا، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئًا على خطئه، وإن عذب المخطئ من غير هذه الأمة. انتهى.
وقال ـ أيضا ـ رحمه الله: وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئًا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: للتكليف موانع منها: الجهل والنسيان والإكراه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ـ رواه ابن ماجه والبيهقي، وله شواهد من الكتاب والسنة تدل على صحته، فالجهل: عدم العلم، فمتى فعل المكلف محرماً جاهلاً بتحريمه فلا شيء عليه. والنسيان: ذهول القلب عن شيء معلوم، فمتى فعل محرماً ناسياً فلا شيء عليه، كمن أكل في الصيام ناسياً ومتى ترك واجباً ناسياً فلا شيء عليه حال نسيانه، ولكن عليه فعله إذا ذكره، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها. انتهى.
وهذا كله فيما يتصور فيه الجهل والنسيان، وأما ما لا يتصور فيه ذلك كسب الدين مثلا فلا يكون ذلك عذراً لفاعله، كما أن الجهل الذي يعذر به وكذا النسيان هو الجهل بالحكم الشرعي، وأما الجهل بالعقوبة مع العلم بالتحريم فلا يؤثر ولا يكون عذرا، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: هناك فرق بين الجهل بالحكم وبين الجهل بالعقوبة، فالجهل بالعقوبة لا يعذر به الإنسان، والجهل بالحكم يعذر به الإنسان، ولهذا قال العلماء: لو شرب الإنسان مسكراً، يظن أنه لا يسكر، أو يظن أنه ليس بحرام فإنه ليس عليه شيء، ولو علم أنه مسكر وأنه حرام، ولكن لا يدري أنه يعاقب عليه، فعليه العقوبة ولا تسقط عنه. انتهى.
والله أعلم.