الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تنافي بين كون الشيطان هو الذي يزين المعصية للعبد ويأمره بها كما قال تعالى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأنعام: 43} . وبين كون هذه المعاصي حاصلة بتقدير الله تعالى لحكمة بالغة، إما ابتلاء للعبد وامتحانا له ليتوب إليه ويراجع الصواب، ويكون في ابتلائه بالمعصية داع له لمجاهدة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء طلبا لمغفرة الله تعالى فيفعل ما أمر به من التوبة والإكثار من الحسنات، أو عقوبة له على معصية سابقة كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. {الصف:5} أو لغير ذلك من الحكم التي لأجلها يقدر الله المعاصي على العباد.
وقد أطال العلامة ابن القيم وأطاب في تقرير بعض هذه الحكم في مفتاح دار السعادة فلينظره من شاء.
والواجب على العبد إذا أذنب بالكذب أو اللواط أو غير ذلك من المعاصي التي يكرهها الله تعالى وينهى عنها أن يفعل ما يجب عليه من التوبة والرجوع إلى الله تعالى والإكثار من الحسنات الماحية، وأن يستحضر عظمة الله تعالى وخطورة الإصرار على مخالفة أمره وارتكاب نهيه، وأنه إن لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح فإنه يعرض نفسه للهلاك والعطب والعياذ بالله، وليعلم العبد المذنب أن المعاصي وإن كانت لا تقع إلا بخلقه وتقديره تبارك وتعالى، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يقع في ملكه تعالى إلا ما يريد، ولكن ليس للعبد العاصي أن يحتج بتقدير الله للمعصية على فعله لها، لأن الله تعالى قد قطع عذره وأقام عليه الحجة وبين له الخير والشر على ألسنة رسله، وبين له عاقبة فعله وخلق له قدرة وإرادة بها تقع أفعاله، فليس لمن يمارس الكذب أو اللواط -والعياذ بالله- أن يقول إن هذا بلاء من الله فيدع ما أمره الله به من التوبة والاستقامة بهذه الحجة الباطلة التي احتج بها المشركون من قبل فلم يقبل ذلك منهم.
قال تعالى:وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ { النحل:35}.
فالواجب على العبد أن يدفع قدر المعصية بقدر التوبة؛ كما يدفع قدر الجوع بالأكل، وقدر البرد بلبس الثياب ونحو ذلك، وليس له أن يعارض الشرع الحنيف ويحتج عليه بالقدر السابق فإن هذا حال الزائغين.
والله أعلم.