الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا نرى مانعا من إلقاء موعظة قبل إحضار الجنازة للصلاة عليها، ولا يصح أن يقال إنها بدعة لم ترد، لأن وعظ الناس وتذكيرهم أمر مطلوب شرعا، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ {النحل: 125}. وكما قال تعالى: وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا {النساء: 63}.
ولم يقيد ذلك، أو يخصصه بوقت دون وقت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ الناس في أنديتهم وأماكن اجتماعهم كما هو معلوم من سيرته، ووعظ أصحابه عند القبر وكان يتحين الأوقات المناسبة التي تكون النفوس فيها مهيأة لقبول الموعظة والتأثر بها، كما في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخولهم بالموعظة، وقد قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي الْأَوْقَات فِي تَعْلِيمهمْ وَوَعْظهمْ, وقال غيره: الْمُرَاد يَتَفَقَّد أَحْوَالهمْ الَّتِي يَحْصُل لَهُمْ فِيهَا النَّشَاط لِلْمَوْعِظَةِ فَيَعِظهُمْ فِيهَا وَلَا يُكْثِر عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَمَلُّوا, وهذا من الحكمة في الدعوة، ولا شك أن وقت انتظار الناس إحضار الجنازة وقت مناسب للموعظة تكون النفوس فيه مهيأة للتأثر بالموعظة، لكونها تتفكر في ذلك الموقف العظيم الذي تحمل فيه على الرقاب ثم يهال عليها التراب, ولا تكاد تجد الناس أهيأ لقبول الموعظة من ذلك الوقت، ولذا وعظ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في المقبرة عند قبر، وقد بوب البخاري في صحيحه بابا فقال: بَاب مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ, ثم ساق فيه حديث عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِن الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. اهـ.
فإذا تهيأ ذلك للناس قبل الصلاة فلا مانع على أن لا يتخذ ذلك عادة وديدنا حتى تصير كالخطبة الراتبة المسنونة, وانظر للفائدة الفتويين رقم: 16651ورقم: 12145.
والله أعلم.