الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر أن إطلاق هذا المعنى لا يستقيم لأن الإنسان قد يكون نافرا عن طريق الحق كارها لها فيقذف الله في قلبه الهداية، فيرجع إليها بعد ما كان مبتعدا عنها كما هو معلوم من قصص المهتدين ممن كانوا من ألد أعداء الإسلام وأبعد الناس عن الصواب.
صحيح أن من تسبب في كسب الهداية، وجاهد نفسه في حصولها رزقه الله هداية التوفيق كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69}.
والعبد مطالب باتباع الحق والهدى والسعي في ذلك، لكنه في الحقيقة لا يملك أن يستقل بهداية نفسه إلا بتوفيق الله عز وجل، وبعد هذا التوفيق من الله سبحانه وتعالى ينفعه اجتهاده في فعل الطاعات واجتناب المعاصي.
والهدى يستعمل في القرآن استعمالين: أحدهما عام، والثاني خاص، فأما الهدى العام فمعناه: إبانة طريق الحق وإيضاح الحجة سواء سلكها المبيّن له أم لا، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8976.
ففي أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: وقال تعالى في آية الأنعام: {قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}.
وحاصل هذا: أن الله تبارك وتعالى قدر مقادير الخلق، قبل أن يخلق الخلق، وعلم أن قوما صائرون إلى الشقاء وقوما صائرون إلى السعادة، فريق في الجنة وفريق في السعير.
وأقام الحجة على الجميع، ببعث الرسل وتأييدهم بالمعجزات التي لا تترك في الحق لبسا فقامت عليهم حجة الله في أرضه بذلك.
ثم إنه تعالى وفق من شاء توفيقه، ولم يوفق من سبق لهم في علمه الشقاء الأزلي، وخلق لكل واحد منهم قدرة وإرادة يقدر بها على تحصيل الخير والشر، وصرف قدرهم وإراداتهم بقدرته وإرادته إلى ما سبق لهم في علمه، من أعمال الخير المستوجبة للسعادة وأعمال الشر المستوجبة للشقاء.
فأتوا كل ما أتوا وفعلوا كل ما فعلوا، طائعين مختارين، غير مجبورين، ولا مقهورين {وما تشاءون إلا أن يشاء الله }.{ قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين }. انتهى.
والله أعلم.