الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الاتفاق المذكور جرى بينك وبين الإدارة ومسؤولي العمل المخولين بذلك فلا حرج عليك فيه، ويشكر لك هذا الحرص على الخير وتحري الحلال والبعد عن الإثم وذلك هو ما ينجيك بين يدي الله حين يسألك عن عمرك فيم أفنتيه، وعن شبابك فيم أبليته، وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته. وكن على يقين تام وثقة أنك على صواب في الطريق الذي سلكته للبعد عن الغش والإثم ولا تبال بأهل الباطل وإن كثروا.
قال بعض السلف: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
وقال بعضهم: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جداً: سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- فهم الغرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ .{الأنعام: 116}. فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم، كما قيل:
فليس غريباً من تناءت دياره ولكن من تنأين عنه غريب.
ولما خرج موسى عليه السلام هارباً من قوم فرعون انتهى إلى مدين على الحال التي ذكر الله، وهو وحيد غريب خائف جائع، فقال: يا رب وحيد مريض غريب، فقيل له: يا موسى، الوحيد من ليس له مثلي أنيس. والمريض: من ليس له مثلي طبيب. والغريب: من ليس بيني وبينه معاملة.
والله أعلم .