الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الورثة محصورين فيمن ذكر، فإن الإخوة الأشقاء ليس لهم شيء من الميراث، لكونهم محجوبين حجب حرمان بالأبناء، فيكون للزوجة الثمن، لقول الله تعالى في نصيب الزوجات: فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:12}.
والباقي بين الأبناء والبنات ـ تعصيباً ـ للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء:11}.
فتقسم التركة إلى أربعة وستين سهما ـ 64 ـ للزوجة منها ثمانية أسهم (8) ولكل ابن أربعة عشر سهما (14) ولكل بنت سبعة أسهم (7) ويكون تقسيم التركة بعد إخراج الحقوق منها مثل الدين.
أما الدين الذي سببه مساعدة الابن في البناء: فإن كان الأب ينوي الرجوع بالدين على الابن وعلم ذلك منه فلكم الرجوع عليه به, أما إن كانت مساعدته على وجه الهبة، فإن كان قد أعطى بقية إخوته مثل ما أعطاه أو رضي بقية إخوته فإن الهبة نافذة صحيحة ويسدد الدين من التركة، والدليل على هذا عَمَل الْخَلِيفَتَيْنِ أَبِي بَكْر وَعُمَر ـ رضي الله عنهما ـ قال ابن حجر في فتح الباري: فَأَمَّا أَبُو بَكْر فَرَوَاهُ الْمُوَطَّأ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ عَائِشَة أَنَّ أَبَا بَكْر قَالَ لَهَا فِي مَرَض مَوْته: إِنِّي كُنْت نَحَلْتُك نُحْلًا فَلَوْ كُنْت اِخْتَرْتِيهِ لَكَانَ لَك، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم لِلْوَارِثِ ـ وَأَمَّا عُمَر: فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْره أَنَّهُ نَحَلَ اِبْنه عَاصِمًا دُون سَائِر وَلَده، وَقَدْ أَجَابَ عُرْوَة عَنْ قِصَّة عَائِشَة بِأَنَّ إِخْوَتهَا كَانُوا رَاضِينَ بِذَلِكَ، وَيُجَابُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنْ قِصَّة عُمَر.
وأما إن لم يرض بقية الأولاد ـ الذكور والإناث ـ أو واحد منهم فعلى خلاف بين أهل العلم, وجمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنه إذا مات الواهب فلا رجوع في الهبة ولا يحق للورثة المطالبة بها, جاء في المغني لابن قدامة: فإن مات الواهب ولم يرده فقد ثبت لمن وهب له إذا كان ذلك في صحته وليس لبقية الورثة الرجوع، هذا منصوص أحمد وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 98101.
وعلى هذا فيسدد الدين من التركة ولا يرجع به على الولد صاحب البيت.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.