الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن البول المتبقي في الذكر لست مطالبا شرعا بإخراجه، بل إذا تكلفت وأخرجته ربما رشح مكانه غيره وهكذا, وتظن عندها أنه يخرج تلقائيا والحقيقة أنك تخرجه بمحاولة تفتيش رأس الذكر وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: التَّنَحْنُحُ بَعْدَ الْبَوْلِ وَالْمَشْيُ وَالطَّفْرُ إلَى فَوْقٍ وَالصُّعُودُ فِي السُّلَّمِ، وَالتَّعَلُّقُ فِي الْحَبْلِ وَتَفْتِيشُ الذَّكَرِ بِإِسَالَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُسْتَحَبٍّ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ وَكَذَلِكَ نَتْرُ الذَّكَرِ بِدْعَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ لَمْ يُشَرِّعْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ سَلْتُ الْبَوْلِ بِدْعَةٌ لَمْ يُشَرِّعْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْبَوْلُ يَخْرُجُ بِطَبْعِهِ، وَإِذَا فَرَغَ انْقَطَعَ بِطَبْعِهِ وَهُوَ كَمَا قِيلَ: كَالضَّرْعِ إنْ تَرَكْته قَرَّ وَإِنْ حَلَبْته دَرَّ كُلَّمَا فَتَحَ الْإِنْسَانُ ذَكَرَهُ فَقَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ، وَقَدْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ وَهُوَ وَسْوَاسٌ وَقَدْ يُحِسُّ مَنْ يَجِدُهُ بَرْدًا لِمُلَاقَاةِ رَأْسِ الذَّكَرِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَخْرُجْ، وَالْبَوْلُ يَكُونُ وَاقِفًا مَحْبُوسًا فِي رَأْسِ الْإِحْلِيلِ لَا يَقْطُرُ فَإِذَا عَصَرَ الذَّكَرَ أَوْ الْفَرْجَ أَوْ الثُّقْبَ بِحَجَرِ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ خَرَجَتْ الرُّطُوبَةُ، فَهَذَا أَيْضًا بِدْعَةٌ وَذَلِكَ الْبَوْلُ الْوَاقِفُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لَا بِحَجَرِ وَلَا أُصْبُعٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ كُلَّمَا أَخْرَجَهُ جَاءَ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَرْشَحُ دَائِمًا، وَالِاسْتِجْمَارُ بِالْحَجَرِ كَافٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ الذَّكَرِ بِالْمَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ اسْتَنْجَى أَنْ يَنْضَحَ عَلَى فَرْجِهِ مَاءً فَإِذَا أَحَسَّ بِرُطُوبَتِهِ قَالَ: هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ. اهـ.
فالمشروع لك أخي السائل في الاستتنجاء أن تغسل المخرج بالماء أو تمسحه بمنديل ونحوه من الطاهرات فقط, ولا يلزمك أن تفتش ملابسك بعد انقطاع البول والأصل في الذكر أنه بعد البول يقلص فهو كالضرع إن تركته قلص وإن حلبته در كما ذكر شيخ الإسلام, ولو فرض نزول شيء لم تعلم به، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد ذهب جمع من العلماء إلى أن من صلى بنجاسة يجهلها فإن صلاته صحيحة, وإذا كان البول يستمر في الخروج حقيقة وليس وسوسة وكان له وقت ينقطع فيه كما ذكرت فانتظر وقت انقطاعه ثم استنج بعد ذلك وتوضأ وصل ولا تطالب بأكثر من هذا، قال شيخ الإسلام: وَأَمَّا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ ـ وَهُوَ أَنْ يَجْرِيَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَا يَنْقَطِعُ ـ فَهَذَا يَتَّخِذُ حِفَاظًا يَمْنَعُهُ فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ يَنْقَطِعُ مِقْدَارَ مَا يَتَطَهَّرُ وَيُصَلِّي وَإِلَّا صَلَّى وَإِنْ جَرَى الْبَوْلُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. اهـ.
وأما هل يعفى عن تلك القطرة عند تحقق وجودها: فإن الأصل هو تطهير البدن والثوب من النجاسة, لكن االعلماء مختلفون فيما يعفى عنه من النجاسات هل منها البول أم لا, وكذا اختلفوا في قدر المعفى عنه على تفصيل ذكرناه في الفتويين رقم: 67002, ورقم: 134899.
وأما المنشف الذي تستجمر به فإنه يتنجس ولو استجمرت به ثانية تكون قد استجمرت بشيء متنجس وقد ذكر الفقهاء أن من شروط ما يستجمر به أن يكون طاهرا, فلا يصح الاقتصار على الاستجمار بالمنشف المتنجس إلا إذا أردت استعماله لتخفيف النجاسة ثم تستعمل الماء فإنه لا حرج كما ذكر ذلك صاحب كشاف القناع حيث قال: الظاهر أن المتنجس من نحو حجر إذا استعمله لتخفيف النجاسة ليتبعه الماء لا يحرم. اهـ.
وإننا ننصحك أخيرا بالحذر من الاسترسال مع الوسوسة فإن شرها مستطير.
والله أعلم.