الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأما الدعاء عند شرب زمزم فقد ذكر بعض الفقهاء أنه يدعو قبل الشرب وذكر آخرون أنه يدعو بعده ولا حرج في كلا الأمرين فيما نرى, قال ابن قدامة في العمدة: ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويتضلع منه ثم يقول: اللهم اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملأه من خشيتك وحكمتك. اهـ.
فهذا دعاء بعد الشرب.
وذكر غيره أنه يدعو قبل الشرب, قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وَيُسَنُّ لِمَنْ يَشْرَبُ من مَاءِ زَمْزَمَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَا يَطْلُبُهُ فإذا قَصَدَهُ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى قال: اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: مَاءُ زَمْزَمُ لِمَا شُرِبَ له ـ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِكَذَا، اللَّهُمَّ فَافْعَلْ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ وَيَشْرَبُ. اهـ.
وأما الانقطاع عن التسبيح للرد على من يكلمك فلا حرج في ذلك فترد على من سلم عليك مثلا أو ترشد من سألك ثم تعود إلى التسبيح, وقد عقد النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه الأذكار فصلا في أحوال تعرضُ للذاكر يُستحبّ له قطعُ الذكر بسببها ثم يعودُ إليه بعد زوالها فقال: منها: إذا سُلِّم عليه ردّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطسَ عنده عاطس شمَّته ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيبَ، وكذا إذا سمع المؤذّنَ أجابَه في كلمات الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكراً أزاله، أو معروفاً أرشد إليه، أو مسترشداً أجابه ثم عاد إلى الذكر، كذا إذا غلبه النعاس أو نحوه، وما أشبه هذا كله. اهـ.
وقال أيضا: إذا كان يقرأ القرآن أو يسبّح أو يقرأ حديثاً أو عِلْمَاً آخر أو غير ذلك، فإنه يقطع جميع هذا ويجيب المؤذِّنَ ثم يعود إلى ما كان فيه. اهـ.
ولذي يظهر أنه يبني ويكمل ولا يستأنف العدد من الأول.
وأما الوتر: فالأفضل أن تصليه في البيت، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ. رواه البخاري.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ هل يصلي الإنسان النافلة في المسجد الحرام لمضاعفة الثواب أو يصلي في المنزل لموافقة السنة؟ فأجاب بقوله: المحافظة على السنة أولى من فعل غير السنة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ـ ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي النوافل في المسجد، إلا النوافل الخاصة بالمسجد فإنه كان يصليها في المسجد مثل صلاة القدوم، فالأفضل المحافظة على السنة، وأن يصلي الإنسان الرواتب في بيته، لأن الذي قال: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ـ هو الذي قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام ـ فأثبت الخيرية في مسجده، وبين أن الأفضل أن تصلي غير المكتوبة في البيت. اهـ.
وانظر المزيد في الفتوى رقم: 105787.
والله أعلم.