الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فالفتوى التي صدرت من دار الإفتاء المشار إليها إنما صدرت بناء على ما يعرف عندكم في القانون بـ ( الوصية الواجبة ) وقد سبق لنا أن بينا أن تلك الوصية المفروضة بالقانون على ذلك الشكل لم يأت بها كتاب ولا سنة ولا يصح نسبتها لأحد من أهل العلم المتقدمين. ومن قال من أهل العلم بوجوب الوصية فإنه لم يقصر الوصية على الأحفاد، ولم يقدرها بنصيب وارث معين.
وقد جاء في فتاوى الأزهر ما يفيد أن هذا التقدير في القانون المصري لم يقل به أحد، وإنما هو اجتهاد، حيث قال شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق رحمه الله تعالى : - ما ذهبت إليه المادة 76 من قانون الوصية المصرى 71 سنة 1946 في مقدار الوصية الواجبة إنما هو اجتهاد معناه المصلحة فى نطاق القدر الذى تجوز الوصية به. اهــ . وقال أيضا عند نسبة القول بالوصية الواجبة لأحد فقهاء الحنابلة: أما مقدارها على هذه الرواية فلم نعثر على نقل فى هذا الشأن عن الفقيه أبي بكر عبد العزيز فيما في أيدينا من كتب الفقه الحنبلي ..." اهـــ . ولم نجده ولا غيره من العلماء المعاصرين الذين قالوا بها أنهم نقلوا عن أحد من الفقهاء القول بها بهذه الصفة في المقدار والتخصيص بالحفيد، وقد ذكر الشيخ وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي عند ذكره لمستند هذا القانون أن هذا القانون من أبرز الأمثلة على القوانين الملفقة وأنه أخذ من مجموعة آراء فقهية ولم يستند إلى رأي فقهي معين.
وفيه أيضا إيجاب بإعطاء لجزء من التركة لشخص غير وارث وهذا تشريع. وقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في قانون للوصية عرض عليه: أفيدكم أنا قد بحثنا الموضوع بحضرة جماعة من الأساتذة منهم فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وفضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي ، وفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد ، وقرأنا النسخة المرفقة بخطابكم، فأجمع الجميع على أن هذا القانون منكر مخالف لشرع الله، لا يجوز إقراره بوجه من الوجوه؛ لأن الله سبحانه لم يشرع في الوصية بالثلث أن توزع على ما ذكر في القانون ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون ... ومما يدل على بطلان القانون المذكور قول الله سبحانه: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } وقوله سبحانه: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } الآية, وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » متفق على صحته . وفي لفظ لمسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » والأدلة في هذا كثيرة وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ؛ لأن الحق في هذا الأمر واضح, وكل من له أدنى بصيرة بشرع الله إذا تأمل المقام ونظر في الأدلة علم يقينا أن هذا القانون من أبطل الباطل . اهــ مختصرا .
وانظر المزيد عن حجج رد قانون الوصية الواجبة في الفتوى رقم: 132800, والفتوى رقم: 22734.
والذي نراه في الفتويين المشار إليهما أنهما جانبتا الصواب، وأنه لا حق للحفيدتين في ذلك المال، وهما في الأصل غير وارثتين بل من ذوي الأرحام ، فلا يجوز لهما أخذ المال بدون رضا الورثة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أَلَا لَا تَظْلِمُوا أَلَا لَا تَظْلِمُوا أَلَا لَا تَظْلِمُوا، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ... رواه أحمد. فإن تمكن الورثة من قسمة المال ثانية بينهم القسمة الشرعية فذاك، وإن لم يتمكنوا وعلموا أنهم لو رفعوا الأمر للمحكمة أنها ستقضي بقانون الوصية فلا مناص لهم من الصبر واحتساب الأجر عند الله .
والله تعالى أعلم.