الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص أهل العلم على أن من كثر منه الشك في الصلاة حتى صار كالوسواس أنه لا يلتفت إليه ولا يلزمه سجود, وإن كان بعض أهل العلم يرى أنه يسجد بعد السلام دائماً بعد كل صلاة، قال المرداوي في الإنصاف: قال ابن أبي موسى ومن تبعه: من كثر منه السهو حتى صار كالوسواس، فإنه يلهو عنه، لأنه يخرج به إلى نوع مكابرة فيفضي إلى الزيادة في الصلاة، مع تيقن إتمامها ونحوه، فوجب إطراحه. انتهى.
وفي رسالة ابن أبي زيد القيرواني: ومن استنكحه الشك في السهو فليله عنه ولا إصلاح عليه، ولكن عليه أن يسجد بعد السلام وهو الذي يكثر ذلك منه يشك كثيراً أن يكون سهى زاد أو نقص ولا يوقن شيئاً. انتهى.
لكن إذا كنت تسلمين من الشك في بعض الأيام فلست ممن استنكحه الشك ولو تكرر عليك في اليوم، وعليك أن تبني على الأقل وتصلحي وتسجدي للسهو، وذلك بناء على ضابط الشك الكثير الذي قرره بعض الفقهاء، وهو أن ما يعتري كل يوم ولو مرة فهو شك مستنكح أي ملازم، لا يلتفت إليه وصاحبه يبني على الأكثر، وما يعتري يوماً ويفارق يوماً أو أكثر، لا يعتبر ملازما وصاحبه يبني على الأقل ويسجد للسهو، قال الشيخ عليش في فتح العلي المالك: ضابط استنكاح الشك إتيانه كل يوم ولو مرة. انتهى.
وقال: فإن أتاه يوماً وفارقه يوماً فليس استنكاحاً، وحكمه وجوب طرحه واللهو والإعراض عنه، والبناء على الأكثر، لئلا يعنته ويسترسل معه. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: وَفُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَطْ هُمُ الَّذِينَ يُعَبِّرُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَى الْغَلَبَةِ مُسَايِرِينَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ فَيَقُولُونَ: اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ أَيِ اعْتَرَاهُ كَثِيرًا، وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ يُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِغَلَبَةِ الشَّكِّ أَوْ كَثْرَتِهِ بِحَيْثُ يُصْبِحُ عَادَةً لَهُ. انتهى.
والله أعلم.