الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أحدا من أهل العلم أوجب على آحاد المسلمين الخروج للغزو في العام مرة، وإنما ذكروا هذا في حق الإمام وتسييره لجيوش الجهاد.
قال الماوردي في (الحاوي الكبير): أقل ما عليه ـ يعني الإمام ـ أن يغزو في كل عام إما بنفسه أو خلفائه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركه في كل عام منذ فرض عليه الجهاد، وكي لا يمضي عطاء العام هدرا، وكي لا يقوى العدو بالمشاركة، وكي لا يألف أهل الجهاد الراحة. اهـ.
وسئل الرملي: هل يجب على الإمام الغزو في كل عام مع إشحان الثغور، كما هو ظاهر عبارة (الروضة) وغيرها، أم أحدهما كما في (الروض) .. (فأجاب) بأنه يحصل فرض كفاية الجهاد بأحد الأمرين، كما أفادته عبارة الروض، وعبارته في شرح إرشاده: ويسقط هذا الفرض بأحد أمرين، إما أن يشحن الإمام الثغور بالرجال المكافئين للعدو في القتال ويولي على كل نفر أمينا كافيا يقلده أمر الجهاد وأمور المسلمين، وإما أن يدخل على دار الكفر غازيا بنفسه بالجيوش أو يؤمر عليهم من يصلح لذلك، وأقله مرة في كل سنة ... اهـ.
وقال ابن تيمية الجد في (المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد): أقل ما يفعل مرة في كل عام، إلا أن تدعو الحاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين. وعنه ـ يعني الإمام أحمد ـ : للإمام تأخيره أيضا مع القوة والاستظهار لمصلحة رجاء إسلام العدو ونحوها. اهـ.
وأما مطلق الغزو دون تأقيته بسنة، فيكفي فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق. رواه مسلم.
والله أعلم.