الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلاقة بين الديمقراطية والإسلام قد تباينت فيها آراء المعاصرين ما بين مقرب ومبعد، ومهما يكن من شيء فهناك بعض أوجه المشابهة بين الديمقراطية ومبدأ الشورى في الحكم الإسلامي، ولكن الفروق بينهما أعمق وأكثر، وقد سبق لنا التنبيه على أن الديمقراطية لها جانبان: جانب يقره الإسلام، وهو إعطاء الأمة حق الاختيار في تولية حكامها ومحاسبتهم وفي الرقابة عليهم. وجانب يأباه الإسلام ويعتبره لوناً من ألوان الشرك بالله تعالى، وهو إعطاء الأمة - ممثلة في مجلس النواب أو البرلمان الذي قد يكون بعضه غير متصف بالعلم والعدالة وجزالة الرأي فضلا عن غير المسلمين - الحق في التشريع المطلق، فهي تحل وتحرم وتبدل كيفما شاءت، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 139772، 64526، 18855. وراجع في العلاقة بين الديمقراطية والإسلام الفتويين: 64323، 10238.
والذي يحسن التنبيه عليه هنا أن الإسلام لا يمنع من الاستفادة من النظم الإدارية والرقابية التي سبق إليها غير المسلمين، طالما كان ذلك لا يتعارض مع شريعته. ولكن حقيقة الأمر أن مبدأ الشورى في الإسلام يغنينا عن النظامين: الديمقراطي والدكتاتوري معا، ويجمع لنا محاسنهما.
قال المستشار عبد القادر عودة في كتابه القيم (التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي): إن النظام الديموقراطي يقوم في الأصل على الشورى والتعاون، ولكنه انتهى بسوء التطبيق إلى تسليط المحكومين على الحاكمين، وانعدام التعاون بينهما، وإن النظام الديكتاتوري يقوم في الأصل على السمع والطاعة والثقة بين الحاكمين والمحكومين، ولكنه انتهى بسوء التطبيق إلى تسليط الحاكمين على المحكومين وانعدام الثقة بينهما. أما النظام الإسلامي فيقوم على الشورى والتعاون في مرحلة الاستشارة، وعلى السمع والطاعة والثقة في مرحلة التنفيذ، ولا تسمح قواعده بتسليط فريق على فريق، وبهذا جمع النظام الإسلامي بين ما ينسب إلى الديموقراطية من فضائل، وما ينسب إلى الديكتاتورية من مزايا ومحاسن، ثم هو في الوقت نفسه بريء من العيوب التي تنسب للديموقراطية والديكتاتورية معاً. اهـ.
وقال القاضي حسين بن محمد المهدي في كتابه (الشورى في الشريعة الإسلامية):الديمقراطية بمفهومها الأساسي تعني حكم الشعب لنفسه دون أن تستأثر طبقة أو جماعة أو فرد بهذا الحكم، ومن دون أن يصبح كل أفراد الشعب حكاماً، فيصبحوا بحاجة عندئذ إلى شعوب يحكمونها. وبهذا التعريف تأتي الديمقراطية رديفة للشورى في بعض الوجوه من حيث إعطاء حق المشاركة للشعوب في صناعة القرار وإدارة شؤون الحكم، عدا أن الشورى نظام تميزت به الشريعة الإسلامية باعتباره جزءاً من العقيدة، بينما الديمقراطية نظام وضعي أي من وضع الإنسان فهي نظام سياسي اجتماعي غربي النشأة عرفه الغرب من الحقبة اليونانية ودخل عليه تطوير في الحضارة المعاصرة، كما أنها تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة من منطلق مبدأ المساواة بين المواطنين، ومنح حق المشاركة في صنع التشريعات، وسن القوانين التي تنظم الحياة العامة وفق مبدأ أن الشعب مصدر السلطات، فالسلطة في النظام الديموقراطي، هي للشعب بواسطة الشعب، أما الشورى الإسلامية فهي صورة من صور المشاركة في الحكم تستمد جذورها من أصول الدين وجذوره، وهي من أهم المبادئ الشرعية التي يقوم عليها النظام السياسي في الإسلام، بل إن بعض الباحثين يرى أن الشورى هي النظام السياسي ذاته، وليس واحداً من مبادئه، أو قاعدة من قواعده، نظراً لما يترتب على الشورى في المنظور الإسلامي من بيان العلاقة بين الحاكم وأهل الشورى، والتزام الدولة بالقواعد المشروعة. اهـ.
ونقل الدكتور علي الصلابي عن الدكتور محمد وقيع الله في بحثه (الشورى ومعاودة إخراج الأمة) قوله: إذا اعتبرنا الديمقراطية مذهباً اجتماعياً قائماً بذاته فليس لنا أن نقول إنها من الإسلام، أو أن الإسلام يقبلها ويستسيغها ويتضمنها، إذ هما مذهبان مختلفان في أصولهما وجذورهما، أو فلسفتهما ونتائج تطبيقها، ولكننا إذا نظرنا إليها على أنها اتجاه يحارب الفردية والاستبداد والاستئثار والتمييز، ويسعى في سبيل جمهرة الشعب ويشركه في الحكم، وفي مراقبة الحكام، وسؤالهم عن أعمالهم ومحاسبتهم عليها، فالإسلام ذو نزعة ديمقراطية بهذا المعنى بلا جدال، أو أن للإسلام ديمقراطيته الخاصة به أي نظامه يمنع استبداد الحكام واستئثارهم، ويمكّن الشعب من مراقبتهم ومحاسبتهم. اهـ.
والله أعلم.