الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مرادك أنه صلى الله عليه وسلم لم يغضب قط فهذا غير صحيح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر من البشر يرضى ويغضب, ولكنه صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس وأحسنهم خلقا، فكان غضبه لا يحمله على مجاوزة الحق، قال عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه: كنت أكتب كل شيء أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ. رواه أحمد في المسند وأبو داود في السنن.
وكان صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه قط، بل كان يحلم ويعفو ويصفح إلا أن يكون حق لله تعالى فينتقم لله عز وجل، قالت عائشة ـ رضي الله عنها: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ، إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا، حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وأمثلة غضبه لله تعالى ولو على أقرب الأقربين كثيرة جدا، فمن ذلك غضبه من أسامة حين أراد أن يشفع في المخزومية التي سرقت، وغضبه من علي ـ رضي الله عنه ـ حين رآه لابسا حلة سيراء، وغضبه من معاذ حين كان يطيل الصلاة بقومه.
وفي طائفة كثيرة من الأخبار حاصلها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغضب لكنه ما كان يغضب إلا بحق ولا يتصرف في غضبه إلا بمقتضى الحق ولا ينتقم لنفسه، وإنما ينتقم لله عز وجل، فصلى الله وسلم وبارك عليه ووفقنا للاقتداء به واتباع هديه الذي هو أحسن الهدي.
والله أعلم.