الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكلام الحنابلة هو المعوّل عليه هنا؛ لأنهم أعرف من غيرهم بكلام إمامهم، وأصول مذهبه، ولقد وجدنا قدماءهم ومعاصريهم، محدثيهم وفقهاءهم، يقولون: عند عدّهم لأصول مذهبهم: الأصل الرابع: كان -رحمه الله- أحمد بن حنبل يأخذ بالحديث المرسل، والضعيف، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي يرجحه على القياس.
وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم، بحيث لا يسوغ الذهاب إليه، فالعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح، وحسن، وضعيف، بل إلى صحيح، وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثرًا يدفعه، ولا قول صحابي، ولا إجماعًا على خلافه، كان العمل به عنده، أولى من القياس.
وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافق له على هذا الأصل، من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد، إلا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس.
انظر هذا الكلام في إعلام الموقعين لابن القيم (12/31-32)، وفي المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (106)، وأصول مذهب أحمد لبكر بن عبد الله أبي زيد (1/157)، والشرح الممتع لابن عثيمين (1/ المقدمة).
فلا ندري هل نترك ما فهمه وقدره هؤلاء الأعلام إلى ما تبين للأخ السائل؟!!.
أما ما ذكره من تخيير أحمد بين الفقه أو الحديث، فمقصوده أنه لا يصلح الاشتغال برواية الحديث من أكثر من طريق، وترك التفقه فيه، يعني الاهتمام بالحديث رواية لا دراية، يقول أحمد بن الحسن: سمعت أبا عبد الله يقول: إذا كان يعرف الحديث ومعه فقه، أحب إليّ من حفظ الحديث لا يكون معه فقه.
وقال الأثرم: سأل رجل أبا عبد الله عن حديث، فقال أبو عبد الله: الله المستعان! تركوا العلم، وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم!.
وقال ابن الجوزي: قال أحمد: الاشتغال بالأخبار القديمة، يقطع عن العلم الذي فرض علينا طلبه. قال ابن الجوزي: إنما الإشارة إلى ما ذكرت من التشاغل بكثرة الطرق، والغرائب، فيفوت الفقه. انظر الآداب الشرعية لابن مفلح فصل: فضل الجمع بين الفقه والحديث وكراهية طلب الغريب والضعيف.
والله أعلم.