الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجماهير العلماء على أن سفر المرأة بغير محرم لا يجوز، إلّا أنّ بعضهم استثنوا من ذلك سفر الحج الواجب والعمرة الواجبة عند وجود رفقة آمنة، و ذهب بعض العلماء إلى جواز سفر المرأة مع رفقة مأمونة في كل سفر طاعة، كما بيناه في الفتوى: 136128.
وقد اختلف العلماء في حد السفر الذي تمنع المرأة منه بغير محرم.
قال القرافي في الذخيرة: فرع: فِي الْبَيَانِ: اخْتُلِفَ فِي السَّفَرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ قِيلَ الْبَرِيدُ وَقِيلَ الْيَوْمُ، وَقِيلَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقِيلَ لَيْلَتَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَتَتْ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقِيلَ يُمْنَعُ وَإِنْ قَرُبَ جِدًّا إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ. انتهى.
والظاهر -والله أعلم- أن نهي المرأة عن السفر بغير محرم مداره على خوف الفتنة على المرأة.
قال ابن عبد البر في التمهيد: وَيَجْمَعُ مَعَانِي الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ ظَوَاهِرُهَا الْحَظْرُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ قَصِيرًا كَانَ أَوْ طَوِيلًا.
وقال الحطاب الرعيني (المالكي) في مواهب الجليل في شرح مختصر: فهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : "بِفَرْضِ" أَنَّ سَفَرَهَا فِي التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ مُتَجَالَّةً، وَقَيَّدَ ذَلِكَ الْبَاجِيُّ بِالْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَنَصُّهُ: هَذَا عِنْدِي فِي الِانْفِرَادِ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ فَأَمَّا فِي الْقَوَافِلِ الْعَظِيمَةِ فَهِيَ عِنْدِي كَالْبِلَادِ يَصِحُّ فِيهَا سَفَرُهَا دُونَ نِسَاءٍ وَذَوِي مَحَارِمَ. انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِكْمَالِ وَقَبِلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ، وَذَكَرَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيُقَيِّدُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَنَصُّ كَلَامِ الزَّنَاتِيِّ إذَا كَانَتْ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ ذَاتِ عَدَدٍ وَعُدَدٍ أَوْ جَيْشٍ مَأْمُونٍ مِنْ الْغَلَبَةِ وَالْمَحَلَّةُ الْعَظِيمَةِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ سَفَرِهَا مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فِي جَمِيعِ الْأَسْفَارِ الْوَاجِبِ مِنْهَا وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَابِسِيُّ. انْتَهَى.
وجاء في فتاوى الشيخ ابن جبرين: السفر الممنوع للمرأة هو مسيرة يوم وليلة، فإذا كان السفر أقل من يوم وليلة ولو في الطائرة ولو في القطار أو السيارة فلا يدخل في النهي، فإن السفر المنهي عنه كون المرأة تركب بعيرًا أو نحوه وتسلك طريقًا بعيدًا في الصحراء تبقى فيه عدة أيام تتعرض فيه لقطاع الطريق وأهل الفحشاء والمنكر وتطول الغيبة فيه، فأما السفر على السيارة مع نسوة ثقات ولمدة خمس ساعات أو عشر ساعات، والطريق مسلوك بالذاهبين والآيبين وليس هناك خلوة، ومتى وصلت البلدة التي تعمل فيها استقرت في سكن مناسب ومع رفقة ملتزمات من النساء المحافظات على دينهن، فلا محذور في ذلك للأمن عليهن من المفسدين غالبًا، ولا يعتبر هذا سفرًا محرمًا .... انتهى.
وعليه؛ فإن كان السفر المذكور يعرضك للفتنة فلا يجوز إلا مع محرم، وأما إن كان السفر مأمونا بحيث تأمنين على نفسك من تعرض الرجال لك أو مخالتطهم على وجه مريب ونحو ذلك، فالظاهر –والله أعلم- أن هذا السفر جائز بغير محرم.
مع التنبيه على أن الأولى للمرأة القرار في البيت –ما لم يكن في خروجها مصلحة راجحة- وراجعي الفتوى: 163683.
والله أعلم.