الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا المقال فيه كثير من الخلط للحقائق، والتوصل إلى نتائج باطلة من خلال بعض المقدمات، فمما ذكرت من الحق: كون المرأة تحب أن يكون زوجها لها وحدها، أو أن الجنة فيها ما تشتهيه النفس، أو أن معيار التفضيل في الآخرة هو التقوى والعمل الصالح، ووجود الحور العين في الجنة.....إلخ، وأما منعها الدخول في التفاصيل بدعوى أن الأمر غيبي فهذا فيه إجمال، فالغيبي الذي لم يكشف عنه الشرع أصلا لا يجوز الدخول في تفاصيله، قال الله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}.
وأما إذا بينه الشرع فهذا علم يجب الإيمان بمضمونه وبيانه للناس وعدم كتمانه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {المائدة:67}. وقال سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ {الأنعام:19}.
ومن أكبر أخطاء هذا المقال قياس أمور الآخرة على أمور الدنيا، وهذا من القياس الفاسد، فالآخرة لها أحوالها التي تخالف تماما أحوال الدنيا، بما في ذلك ما قد يحصل من اشتراك في الأسماء، فليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وكون المرأة تحب في الدنيا أن يكون زوجها لها وحدها لا يعني بأية حال أن تكون المرأة في الجنة كذلك، فليس في الجنة ما يكون في الدنيا من الغيرة بين الضرات ونحو ذلك، لأن مثل هذا من النكد والنغائص التي نزه الله الجنة عنها، ومن أحب النساء للرجل في الجنة زوجته من أهل الدنيا، كما هو مبين بالفتوى رقم: 33404.
وينبغي أن يعلم أن الله تعالى سيعطي كلا من الرجل والمرأة في الجنة ما يرضيه، والجنة فيها ما تشتهيه الأنفس كما أخبر القرآن، ولكن هل كل ما يشتهيه الناس في الدنيا ويطلبونه يمكن أن يشتهوه في الآخرة ويطلبوه؟ الجواب أن هذا ليس بلازم، ولذلك قال الترمذي في سننه: قال محمد ـ يعني البخاري ـ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة واحدة كما يشتهي، ولكن لا يشتهي.
وينبغي أن يكون هم المسلم تحقيق ما يمكن أن يكون سببا في دخوله الجنة دون الدخول في مثل هذا الكلام وشغل الناس وتسويد الصفحات بما لا طائل من ورائه.
وأما نظرة المجتمع إلى المرأة: فإن كانت في أمر يخالف الإسلام فلا شك في أنه من الباطل الذي يجب بيانه والسعي في تغييره، ورفع ما قد يقع من ظلم من الرجال للنساء، وأما وصف المجتمع بأنه ذكوري هكذا بإطلاق، فيه إجحاف كبير ومبالغة، فالسائلة تعيش في مجتمع مسلم يعرف للمرأة حقوقها، وإن كان البعض قد يهضمها شيئا من حقوقها، فهذا لا يؤخذ به المجتمع كله.
والله أعلم.