الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي أولا أن العلماء اختلفوا في الإنبات هل يثبت به البلوغ أو لا، فقيل يثبت به البلوغ، وهو مذهب الحنابلة، وقيل يثبت في حق الكافر دون المسلم، وهو المشهور من مذهب الشافعية، وقيل لا يثبت به البلوغ مطلقا، وهو قول الحنفية، قال الموفق ـ رحمه الله ـ في المغني: وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ فَهُوَ أَنْ يَنْبُتَ الشَّعْرُ الْخَشِنُ حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، الَّذِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ بِالْمُوسَى، وَأَمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَقَالَ فِي الْآخَرِ: هُوَ بُلُوغٌ فِي حَقِّ الْمُشْرِكِينَ، وَهَلْ هُوَ بُلُوغٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، لِأَنَّهُ نَبَاتُ شَعْرٍ، فَأَشْبَهَ نَبَاتَ شَعْرِ سَائِرِ الْبَدَنِ. انتهى.
فعلى القول بأنه لا يثبت به البلوغ فالأمر واضح، ولا يلزمك شيء لا قضاء الصلاة ولا قضاء الصوم، وعلى القول بأنه يكون بلوغا فمن العلماء من يرى أنه لا يلزمك القضاء لجهلك بالحكم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ قال شيخ الإسلام: والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ، لقوله تعالى: لأنذركم به ومن بلغ، وقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ـ ولقوله: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ـ ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول، ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك ولم يعلم كثيرا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك.. إلى أن قال: ولما فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبر إلى من كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتى فات ذلك الشهر، لم يأمرهم بإعادة الصيام.
وانظري الفتوى رقم: 125226.
وقول الجمهور هو لزوم قضاء ما تركته من الصلاة والصوم وما أديته على غير وجهه من الصلوات في تلك الفترة وقول شيخ الإسلام قوي متجه، ولا نرى عليك حرجا في العمل به، وأما ما صمته من الأيام معتقدة أنه لا يلزمك لكونك لم تبلغي فلا يجب عليك قضاؤه من باب أولى عند شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ وذلك لأجل جهلك بوجوب نية صوم الفريضة الناشئ عن جهلك بحصول البلوغ، ويرى الحنفية أن من صام رمضان بنية التطوع أجزأه عن الفرض، فأولى على مذهبهم أن يكون صومك مجزئا عنك، ولم نر نصا واضحا للعلماء فيما إذا صام من جهل البلوغ هل يلزمه القضاء أو لا؟ ولو قضيت هذه الأيام احتياطا لم يكن بذلك بأس.
والله أعلم.