الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمشروع هو صيانة المساجد عن كل ما يلوثها ويؤذي المصلين من الروائح الكريهة ونحوها، ولذا ثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
قال في شرح المنتقى: قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَلْحَقُ بِالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ أَكَلَ فُجْلًا وَكَانَ يَتَجَشَّأُ. قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ: وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ بِهِ بَخْرٌ فِي فِيهِ أَوْ بِهِ جُرْحٌ لَهُ رائحة. انتهى. ونص الفقهاء على استحباب إخراج من يتأذى به المصلون من المسجد.
قال في مطالب أولي النهى:(وَكُرِهَ حُضُورُ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَتِهِ لِآكِلِ نَحْوِ بَصَلٍ أَوْ فُجْلٍ) أَوْ كُرَّاثٍ، وَكُلِّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، (حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ) لِلْخَبَرِ، وَلِإِيذَائِهِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ أَحَدٌ، لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ. (وَكَذَا نَحْوُ مَنْ بِهِ بَخَرٌ وَصُنَانٌ، وَجَزَّارٌ لَهُ رَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ) ، وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُمْ دَفْعًا لِلْأَذَى. انتهى.
وقال العيني في شرح البخاري: ألحق بذلك بَعضهم من بِفِيهِ بخر، أَو بِهِ جرح لَهُ رَائِحَة، وَكَذَلِكَ القصاب والسماك والمجذوم والأبرص أولى بالإلحاق، وَصرح بالمجذوم ابْن بطال، وَنقل عَن سَحْنُون، لَا أرى الْجُمُعَة عَلَيْهِ، وَاحْتج بِالْحَدِيثِ. وَألْحق بِالْحَدِيثِ: كل من آذَى النَّاس بِلِسَانِهِ فِي الْمَسْجِد، وَبِه أفتى ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ أصل فِي نفي كل مَا يتَأَذَّى بِهِ. انتهى.
وبه تعلم أن هذا الرجل إن كان يؤذي الناس برفع صوته والتشويش عليهم في صلاتهم أو برائحته الكريهة فإنه يكره له حضور الجماعة ويستحب إخراجه من المسجد، وينبغي مناصحته بلين ورفق، وأن يبين له أن له عذرا في التخلف عن المسجد وأنه مأجور على ذلك لأنه إنما خلفه العذر. وأما إن كان دخوله المسجد يؤدي إلى تنجيسه فيحرم عليه دخول المسجد ويأثم بذلك.
قال النووي رحمه الله: فَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بِهِ جُرْحٌ فَإِنْ خَافَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُولُهُ. انتهى.
والله أعلم.