الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل ـ وهو السنة ـ أن يدفن الميت في المكان الذي توفي فيه، فقد توفي عدد من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم منهم سعد بن خولة وغيره خارج المدينة ولم ينقل أنهم نقلوا إلى المدينة أو إلى غيرها، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: كانت السنة العملية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أصحابه أن يدفن الموتى في مقابر البلد الذي ماتوا فيه ، وأن يدفن الشهداء حيث ماتوا، ولم يثبت في حديث ولا أثر صحيح أن أحدا من الصحابة نقل إلى غير مقابر البلد الذي مات فيه أو في ضاحيته أو مكان قريب منه، ومن أجل هذا قال جمهور الفقهاء: لا يجوز أن ينقل الميت قبل دفنه إلى غير البلد الذي مات فيه إلا لغرض صحيح مثل أن يخشى من دفنه حيث مات من الاعتداء على قبره، أو انتهاك حرمته لخصومة أو استهتار وعدم مبالاة، فيجب نقله إلى حيث يؤمن عليه، ومثل أن ينقل إلى بلده تطييبا لخاطر أهله وليتمكنوا من زيارته فيجوز، أو ينقل من بلده إلى بلد أفضل رجاء البركة، وإلى جانب هذه الدواعي وأمثالها اشترطوا أن لا يخشى عليه التغير من التأخير، وأن لا تنتهك حرمته، فإن لم يكن هناك داع أو لم توجد الشروط لم يجز نقله. اهـ.
ولا بأس بالنقل إلى مكان آخر إذا كان ذلك لغرض صحيح ولم يخش عليه من التغير أو انتهاك الحرمة، كما نص عليه أهل العلم وسبق بيانه في الفتويين: 44259، ورقم: 4003، وما أحيل عليه فيهما.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: اختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد فقيل يكره، لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته وقيل يستحب، والأولى تنزيل ذلك على حالتين فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة وتختلف الكراهة في ذلك، فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها.
وجاء في عون المعبود: قال العيني: وأما نقل الميت من موضع إلى موضع فكرهه جماعة وجوزه آخرون, وقال المازري: ظاهر مذهبنا جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، وقد مات سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بالعقيق ودفنا بالمدينة، كما أخرجه مالك في الموطأ.
والحاصل أن السنة أن يدفن الميت في المكان الذي توفي فيه ولا ينقل منه إلا لسبب.
والله أعلم.