الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الشبهة المشار إليها من جهة بيع هذه القارورات لمن يعبئها بالخمر فنقول إن من يجمع هذه القارورات ويبيعها للمصنع إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أن المصنع يعيد تعبئتها بالخمر فهذا لا يحل له بيعها لذلك المصنع، وأما إن كان لا يعلم أولا يغلب على ظنه، وإنما يتوهم فإن بيعها له مكروه، والمكروه من جملة الشبه، جاء في الموسوعة الفقهية: اشْتَرَطَ الْجُمْهُورُ لِلْمَنْعِ مِنْ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ بِقَصْدِ الْمُشْتَرِي اتِّخَاذَ الْخَمْرِ مِنَ الْعَصِيرِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُكْرَهْ بِلاَ خِلاَفٍ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ صَرِيحُ كَلاَمِ الْمَرْغِينَانِيِّ الآْنِفِ الذِّكْرِ، وَكَذَلِكَ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّمَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ إِذَا عَلِمَ الْبَائِعُ قَصْدَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ إِمَّا بِقَوْلِهِ، وَإِمَّا بِقَرَائِنَ مُخْتَصَّةٍ بِهِ تَدُل عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَاكْتَفَوْا بِظَنِّ الْبَائِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْصِرُ خَمْرًا أَوْ مُسْكِرًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْبَائِعُ بِحَال الْمُشْتَرِي، أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ يَعْمَل الْخَل وَالْخَمْرَ مَعًا، أَوْ كَانَ الْبَائِعُ يَشُكُّ فِي حَالِهِ، أَوْ يَتَوَهَّمُ، فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ الْجَوَازُ، كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ فِي حَال الشَّكِّ أَوِ التَّوَهُّمِ مَكْرُوهٌ. انتهى.
والمكروه كما تقدم من الشبهات، قال ابن حجر في فتح الباري: وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء, أحدها: تعارض الأدلة.
ثانيها: اختلاف العلماء.
ثالثها: أن المراد بها مسمى المكروه، لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك... ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام, فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام, والمباح عقبة بينه وبين المكروه, فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه، وهو منزوع حسن. اهـ.
وقد سبق لنا شرح هذا الحديث في الفتويين رقم: 30478, ورقم: 49828.
وفي حال خلو البيع المذكور من كل تلك الاحتمالات فتخرج هذه المسألة من حيز الشبهات من تلك الحيثية.
والله أعلم.