الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم بوركت أن التثبيت إنما هو من الله تعالى، فاستعن بربك وأقبل عليه واجتهد في دعائه والتضرع له أن يثبتك على دينه، وأن يصرف قلبك على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومهما أذنبت فتب إلى ربك ولا تيأس من رحمته، واعلم أنه إذا صدقت توبتك، واجتهدت بعد التوبة من الذنب في فعل الحسنات الماحية، وأورثك ذنبك هذا ذلا وانكسارا لربك وخضوعا وتبتلا له سبحانه - أنك قد تكون بعد التوبة خيرا مما كنت قبل الذنب، وقد يكون ذنبك هذا الذي تبت منه بما أورثك من الذل والمسكنة لله تعالى سببا في رفعة درجتك وعلو رتبتك عنده سبحانه، وانظر الفتوى رقم: 176207.
وأما الأعمال الموصلة إلى مرضات الله وجنته فكثيرة جدا، ولكن عليك بفعل الفرائض فلا تفرط في شيء منها، فإن التقرب إلى الله تعالى بما افترضه هو أحب شيء إليه سبحانه، ثم اجتهد في النوافل بحسب استطاعتك، وكلما فتح لك باب خير فادخله ولا تقصر في التقرب إلى الله تعالى به، فما استطعت من صلاة تطوع أو صدقة تطوع أو صوم تطوع أو حج أو اعتمار ونحو ذلك فهو خير، وتكثر ذكر الله تعالى وتحسن إلى الناس فتعود المريض وتشيع الجنازة وتغيث الملهوف وتنصر المظلوم مهما وسعك ذلك، وتسعى أن تكون في جميع شؤونك متقربا إلى ربك آتيا بما يحبه مجانبا لما يسخطه.
وليس في الجنة درجة أعلى من الفردوس، نسأل الله أن يرزقنا الفردوس، فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة.
قال الحافظ رحمه الله: قَوْلُهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ الْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ هُنَا الْأَعْدَلُ وَالْأَفْضَلُ كَقَوْلِه تَعَالَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا ـ فَعَلَى هَذَا فَعَطَفَ الْأَعْلَى عَلَيْهِ لِلتَّأْكِيدِ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ المُرَاد بِأَحَدِهِمَا الْعُلُوّ الْحسي وبالآخر الْعُلُوّ الْمَعْنَوِيّ، وَقَالَ ابن حِبَّانَ الْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ السَّعَةُ وَبِالْأَعْلَى الْفَوْقِيَّة. انتهى.
والله أعلم.