الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما جاء في هذا المقال صحيح في المجمل، ذلك أن طلب العلم الشرعي والاشتغال به أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات من صلاة وصيام ونحو ذلك. ويبين هذا الإمام النووي رحمه الله فيقول كما في المجموع: والحاصل أنهم متفقون على أن الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغالات بنوافل الصوم، والصلاة، والتسبيح، ونحو ذلك من نوافل عبادات البدن، ومن دلائله سوى ما سبق أن نفع العلم يعم صاحبه والمسلمين، والنوافل المذكورة مختصة به، ولأن العلم مصحح فغيره من العبادات مفتقر إليه، ولا ينعكس، ولأن العلماء ورثة الأنبياء، ولا يوصف المتعبدون بذلك، ولأن العابد تابع للعالم مقتد به مقلد له في عبادته وغيرها واجب عليه طاعته، ولا ينعكس، ولأن العلم تبقى فائدته وأثره بعد صاحبه، والنوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن العلم صفة لله تعالى، ولأن العلم فرض كفاية أعني العلم الذي كلامنا فيه، فكان أفضل من النافلة. انتهى.
وآكد العلوم هو علم التوحيد وأركان الايمان، ويليه علم العبادات كما نقله ابن مفلح في الآداب الشرعية عن صاحب المحيط من الحنفية: أفضل العلوم عند الجمهور بعد معرفة أصل الدين وعلم اليقين معرفة الفقه والأحكام الفاصلة بين الحلال والحرام. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ورد في فضل هذه الكلمة: شهادة أن لا إله إلا الله، من الدلائل ما يضيق هذا الموضع عن ذكره، وهي أفضل الكلام، وما فيها من العلم والمحبة أفضل العلوم والمحبات، كالحديث الذي في السنن: أفضل الذكر لا إله إلا الله. والآية المتضمنة لها أعظم آية في القرآن، كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: يا أبا المنذر أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال: فضرب بيده صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر. اهـ.
وقال ابن أبي العز الحنفي في مقدمة شرح الطحاوية: لما كان علم أصول الدين أشرف العلوم، إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع، ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين: الفقه الأكبر وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه. اهـ.
والله أعلم.