الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن فصلنا القول في مسألة اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل العقيدة، مع ذكر بعض مراجعها، فراجع الفتوى رقم: 132935.
وبخصوص صفة الساق لله تعالى، فالصواب أن الخلاف الذي جرى بين الصحابة رضي الله عنهم إنما هو في تفسير الآية، وليس في إثبات الصفة، فهي ثابتة بالسنة الصحيحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية): الصحابة قد تنازعوا في تفسير الآية {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} هل المراد به الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد به أنه يكشف الرب عن ساقه؟ ولم تتنازع الصحابة والتابعون فيما يذكر من آياتِ الصفات إلا في هذه الآية؛ بخلاف قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ونحو ذلك؛ فإنه لم يتنازع فيها الصحابة والتابعون، وذلك أنه ليس في ظاهر القرآن أنَّ ذلك صفة لله تعالى؛ لأنه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}، ولم يقل: عن ساق الله، ولا قال: يكشف الرب عن ساقه، وإنما ذكر ساقاً نكرة غير معرفة ولا مضافة، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله، والذين جعلوا ذلك من صفات الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن، وهو حديث أبي سعيد الخدري المخرج في الصحيحين الذي قال فيه "فيكشف الرب عن ساقه" وقد يقال: إنَّ ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه. اهـ.
وقال ابن القيم في (الصواعق المرسلة): الصحابة متنازعون في تفسير الآية؛ هل المراد الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد بها أنَّ الرب تعالى يكشف عن ساقه .. اهـ. وذكر نحو كلام شيخ الإسلام.
وقد علق الشيخ علوي السَّقَّاف في كتابه: (صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة) على كلام الشيخين السابق فقال: ليس مقصود الإمامين الجليلين أنَّ الصحابة اختلفوا في إثبات صفة السَّاق لله عَزَّ وجَلَّ مع ورودها صراحةً في حديث أبي سعيد المتقدم، بل مقصودهما أنهم اختلفوا في تفسير الآية؛ هل المراد بها الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد الكشف عن ساق الله. اهـ.
وقال الدكتور عبد الرحمن المحمود في رسالته: (موقف ابن تيمية من الأشاعرة): لما ثبتت صفة "الساق" في الحديث أثبتها أهل السنة، وإن كانوا مختلفين حول دلالة الآية عليها، وهذا هو الذي يوضح الفرق بين منهج السلف، ومنهج المبتدعة من أهل الكلام. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 6820.
والله أعلم.