الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فظاهر حديث أبي هريرة يدل على أن الشيطان ظهر له في رمضان، لأنه كان موكلا بصدقة الفطر وكانوا يجمعونها قبل يوم الفطر. ففي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح :وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ)، أَيْ بِجَمْعِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِيُفَرِّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ فِي حِفْظِهَا، أَيْ فَوَّضَ إِلَيَّ ذَلِكَ. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر عند ذكر فوائد قصة أبي هريرة وما يؤخذ من الحديث: وَفِيهِ جَوَازُ جَمْعِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَتَوْكِيلِ الْبَعْضِ لِحِفْظِهَا وَتَفْرِقَتِهَا. انتهى. وفي شرح رياض الصالحين للشيخ محمد بن صالح العثيمين عند شرح الحديث المذكور: هذه القصة قصة عجيبة عظيمة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أبا هريرة رضي الله عنه على صدقة رمضان يعني الفطر يحفظها وكانوا يجمعونها قبل العيد بيوم أو يومين، وكان أبو هريرة وكيلا عليها، وفي ليلة من الليالي جاء رجل يحثو من الطعام فأمسكه أبو هريرة وقال لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
ولم نجد من أهل العلم من ذكر وجه الجمع بين ظهورالشيطان لأبي هريرة وبين الحديث الوارد في تصفيد الشياطين في رمضان، لكن الظاهرأن لا تعارض بين الأمرين، فقد ذكر العلماء أن التصفيد قد يكون خاصا بمردتهم أو بعضهم أوالمراد به تقليل شرورهم وبالتالي فلا مانع من محاولة من سلم منهم من التصفيد الإضرار بالإنس وبهذا يرتفع الإشكال.
قال الحافظ ابن حجر: وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره يعني تصفيد الشياطين: فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً، فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك: فالجواب: أنها إنما تُغَلُّ عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم، كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية، لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية. انتهى.
والله أعلم.