الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأحكام الله كلها رحمة وحكمة وعدل وبها تتحقق مصالح العباد في الدنيا والآخرة على أكمل وجه ، وإذا بدا للإنسان خلاف ذلك فإنما هو لقصور علمه ، ولذلك فالمؤمن يثق دائماً بأنّ سعادته وفلاحه في الانقياد لشرع الله والرضا بحكمه ، قال تعالى : {...وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } المائدة (50)
وإذا كان الشرع قد جعل للرجل القوامة على زوجته وأمرها بطاعته في المعروف فليس في ذلك هضم لحقوق المرأة أو استخفاف بشأنها ، بل الأصل في الشرع أن المرأة مساوية للرجل في الحقوق كما قررته الآية الكريمة ، قال تعالى : {....وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.....} [البقرة: 228]
قال ابن كثير (رحمه الله) : "أَيْ: وَلَهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ مَا لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ، فلْيؤد كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ " .
وقال الشيخ رشيد رضا (رحمه الله) : " هَذِهِ كَلِمَةٌ جَلِيلَةٌ جِدًّا جَمَعَتْ عَلَى إِيجَازِهَا مَا لَا يُؤَدَّى بِالتَّفْصِيلِ إِلَّا فِي سِفْرٍ كَبِيرٍ، فَهِيَ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُسَاوِيَةٌ لِلرَّجُلِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ إِلَّا أَمْرًا وَاحِدًا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَدْ أَحَالَ فِي مَعْرِفَةِ مَالَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ عَلَى الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مُعَاشَرَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ فِي أَهْلِيهِمْ، وَمَا يَجْرِي عَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ " تفسير المنار (2/ 297)
وأما كون الشرع قد شدد في امتناع المرأة من فراش زوجها فقد ذكر بعض العلماء أن حاجة الرجل للجماع تختلف عن حاجة المرأة ، قال ابن جحر (رحمه الله) نقلا عن بعض العلماء : " وَفِيهِ أَنَّ صَبْرَ الرَّجُلِ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ أَضْعَفُ مِنْ صَبْرِ الْمَرْأَةِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ أَقْوَى التَّشْوِيشَاتِ عَلَى الرَّجُلِ دَاعِيَةُ النِّكَاحِ وَلِذَلِكَ حَضَّ الشَّارِعُ النِّسَاءَ عَلَى مُسَاعَدَةِ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ " .
وإذا كان الزوج ظالما للمرأة فلا تلام المرأة على هجره ، قال ابن حجر : " ...ولا يتجه عليها اللوم الا إذا بدأت هي بالهجر فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تستنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا "
وقال الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله) : وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته، ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة، أما إذا نشز ولم يقم بحقها؛ فلها الحق أن تقتص منه وألا تعطيه حقه كاملاً؛ لقول الله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة: 194] ولقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل: 126]
وللفائدة راجعي الفتويين : 169469 ، 159783.
والله أعلم.