الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاحتياط للدين أمر حسن، والخروج من خلاف العلماء مما لا يرتاب في مشروعيته، لقوله صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. ولكن لا يكون هذا الاحتياط مستحسنا إلا إذا لم يؤد إلى مخالفة السنة الثابتة، فإن كان الاحتياط يؤدي إلى مخالفة سنة ثابتة فالاحتياط حينئذ هو ترك هذا الاحتياط.
قال ابن القيم رحمه الله: الِاحْتِيَاطَ إِنَّمَا يُشْرَعُ، إِذَا لَمْ تَتَبَيِّنِ السُّنَّةُ، فَإِذَا تَبَيَّنَتْ فَالِاحْتِيَاطُ هُوَ اتِّبَاعُهَا وَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا; فَإِنْ كَانَ تَرْكُهَا لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ احْتِيَاطًا، فَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا وَاتِّبَاعُهَا، أَحْوَطُ وَأَحْوَطُ، فَالِاحْتِيَاطُ نَوْعَانِ: احْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ، وَلَا يخفى رجحان أحدهما على الآخر. انتهى.
ومثال هذا أن صوم الستة من شوال مشروع بنص السنة، فلا ينبغي أن يحتاط أحد بترك صيام هذه الست لكون بعض أهل العلم كره صومها، فحينئذ يقال إن الاحتياط في ترك مخالفة السنة أولى من الخروج من خلاف العلماء. وقد بينا ما يلزم العامي إذا اختلفت عليه الفتوى في الفتوى رقم: 120640 وراجع أيضا للفائدة الفتويين: 170671 ، 169801 وإذا علمت أن الاحتياط مشروع وأنه من الأمور المستحسنة بالضابط الذي ذكرناه، وبان لك بالرجوع إلى ما أحيل عليه ما هو الواجب تجاه المسائل الخلافية من ترجيح الراجح بدليله أو اتباع العالم الورع عند العجز عن الترجيح، فاعلم أنه لا يجوز لأحد أن يقدم على فعل حتى يعرف حكم الله فيه، فإن فعل ما هو محرم من غير مسألة فيخشى أن يكون آثما بذلك، وانظر الفتوى رقم: 173397 فعلى من استفتاه من فعل محرما أن يبين له أنه أخطأ إن كان أقدم على الفعل من غير مسألة، وأما إن كان فعل ما يعتقد هو تحريمه فلا شك في كونه آثما، وإن كانت المسألة مختلفا فيها لأنه تجاسر على انتهاك الحرمة، وربما يلجأ الواعظ أو المفتي للتهوين من شأن هذا الفعل إذا احتاج المستفتي لذلك لئلا يغلب عليه القنوط أو اليأس من رحمة الله، أو يكون موسوسا يحتاج لمثل هذا الترخيص، وعلى كل فالمفتي شأنه شأن الطبيب ينبغي أن يضع الدواء في موضعه وأن يكون حرصه على انتفاع المستفتي واستقامته على الشرع.
والله أعلم.