الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنتم تفطرون بعد ما تتحققون من غروب الشمس -كما هو الظاهر- فإن فطركم كان في الوقت المعتبر شرعا ولو كان ذلك قبل سماع ما هو متعارف عليه لوقت الفطر، لأن المعتبر شرعاً لبداية الفطر هو التحقق من غروب الشمس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم. متفق عليه، وراجع الفتوى رقم: 28451.
فيشرع الفطر إذا غاب قرص الشمس كله بموضع ليس فيه ما يحول دون رؤيتها من جبل ونحوه، وفي حال وجود ما يمنع رؤيتها فالمعتبر إقبال الظلمة من جهة المشرق. قال الحطاب في مواهب الجليل وهو مالكي: وقال ابن بشير: ووقت المغرب إذا غاب قرص الشمس بموضع لا جبال فيه، فأما موضع تغرب فيه خلف جبال فينظر إلى جهة المشرق، فإذا طلعت الظلمة كان دليلاً على مغيب الشمس. انتهى.
كما أن المعتبر شرعا لبدء الصيام والإمساك عن المفطرات هو طلوع الفجر الصادق، فإذا كنتم تتناولون السحور إلى ما قبيل طلوع الفجر فقد أصبتم السنة، لأن تأخير السحور سنة، لكن لا يشرع تناول المفطرات بعد بدء أذان الفجر الصادق الذي يتم بعد تبين الفجر لأنه أول وقت النهار، فيجب الإمساك، ومن تناول مفطراً بعد طلوع الفجر فسد صومه، ووجب عليه إمساك ذلك اليوم، ثم قضاؤه بعد انتهاء رمضان. قال الألوسي عند تفسير آيات الصيام: والأئمة الأربعة رضي الله تعالى عنهم على أن أول النهار الشرعي طلوع الفجر، فلا يجوز فعل شيء من المحظورات بعده .......انتهى.
نعم ذكر الفقهاء أن من تناول المفطرات نهارا جاهلا بتحريمه يعذر بجهله إن كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ بعيدا عن أهل العلم، وإن كان مخالطا للمسلمين بحيث لا يخفى عليه الحكم أفطر لأنه مقصر. قال النووي في المجموع: إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع جاهلا بتحريمه، فإن كان قريب عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة بحيث يخفى عليه كون هذا مفطرا لم يفطر، لأنه لا يأثم فأشبه الناسي الذي ثبت فيه النص، وإن كان مخالطا للمسلمين بحيث لا يخفى عليه تحريمه أفطر لأنه مقصر. انتهى. أما الكفارة فلا تجب. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم :78773.
هذا عن السؤال الأول، أما عن السؤال الثاني، فتجوز السباحة للصائم لأجل الطهارة أو التبرد، لكن يجب عليه أن يجتهد في التحرز من وصول شيء من الماء إلى جوفه، ولا يفسد صومه بما دخل حلقه من غير قصد. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 78371 ، فإن علم أو غلب على ظنه أنه لا يمكنه التحرز من ذلك فليس له أن يسبح، لأنه يعرض صومه بذلك للفساد.
ونقل البجيرمي في حاشيته على المنهج نقلا عن الأذرعي قوله: لو عرف من عادته أنه يصل الماء إلى جوفه من ذلك لو انغمس ولا يمكنه التحرز عن ذلك، حرم عليه الانغماس، وأفطر بذلك. انتهى.
وبهذا يعلم أن مجرد السباحة جائز، وأن من كان منكم يعلم أنه لا يمكنه التحرز من دخول الماء إلى جوفه لو انغمس ثم انغمس ودخل الماء إلى جوفه فسد صومه ولو كان قليلا، فعليه القضاء مع التوبة إلى الله تعالى لأنه تعمد إفساد صومه.
ومن علم أو غلب على ظنه أن بإمكانه التحرز من دخول الماء إلى جوفه لو انغمس، ثم انغمس، فلا يفطر بدخول الماء إلى جوفه من غير قصد، وانظر الفتوى رقم: 126844.
أما السؤال الثالث، فالراجح من قولي العلماء أن خروج المذي لا يفسد الصوم ولو كان بتسبب من الشخص؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 134712 ، سواء خرج بشهوة أو بغير شهوة، مع التنبيه على أن نظر الصور الخليعة أمر محرم شرعا، وتشتد حرمة ذلك أثناء الصيام وفي رمضان.
أما السؤال الرابع، فليس دفع المال لإخراج المعتقل ظلما من عتق الرقبة المعروف شرعا، لكنه من باب فكاك العاني الذي هو من فروض الكفاية. ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فُكُّوا العَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ. وقد بوب له البخاري فقال: باب فَكَاكِ الأَسِيرِ. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (قَوْلُهُ بَابُ فَكَاكِ الْأَسِيرِ) أَيْ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ..قَالَ سُفْيَان العاني الْأَسير. قَالَ ابن بَطَّالٍ: فَكَاكُ الْأَسِيرِ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. انتهى.
أما عن السؤال الخامس وهو الأخير فلا نعلم حديثا في خصوص المعنى المذكور، لكن الحكمة تقتضيه، فعداوة أهل الباطل لأهل الحق وبغضهم لهم، وحقدهم عليهم، تجعل أهل الحزم والحكمة يتعاملون معهم على حذر، فلا يأمنون مكرهم ولا يتسبعدون كيدهم وحيلهم. مع أن الأصل جواز التعامل معهم، على أن يكون هذا التعامل ضمن ما هو مباح شرعاً من بيع أو شراء، أو قرض أو غير ذلك من أنواع التعامل المباح، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 32649 .
والله أعلم.