الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فثقي بفضل الله وأحسني ظنك به تعالى ولتهنك توبتك، وامضي مستقيمة على شرعه سبحانه، عالمة أنه سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، والمقطوع به أن توبة العبد إذا صحت واستكملت شروطها فإن الله تعالى يقبلها منه، والشأن كل الشأن في تكميل التوبة وأن يحرص العبد على أن تكون توبته هي التوبة النصوح المأمور بها، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وأما أئمة السلف فإنما لم يقطعوا بالجنة، لأنهم لا يقطعون بأنه فعل المأمور وترك المحظور ولا أنه أتى بالتوبة النصوح وإلا فهم يقطعون بأن من تاب توبة نصوحا قبل الله توبته. انتهى.
وقبول توبة العبد ليس باستحقاق العبد لذلك فهو وإن كان أمرا مقطوعا به لمن صدقت توبته، فإنه محض فضل الله ورحمته فهو سبحانه الذي تفضل ومنَّ على عباده بأن كتب على نفسه الرحمة، ووعدهم وهو لا يخلف الميعاد بأن يقبل توبة تائبهم، فله سبحانه الحمد على ما وفق للتوبة وله الحمد بعد ذلك على قبولها فهو المحمود أولا وآخرا سبحانه وبحمده.
يقول ابن القيم رحمه الله: وقبول التوبة محض فضله وإحسانه وإلا فلو عذب عَبْدَهُ عَلَى جِنَايَتِهِ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا وَلَوْ قَدَّرَ أَنَّهُ تَابَ مِنْهَا، لَكِنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِمُقْتَضَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ أَلَّا يُعَذِّبَ مَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ وَاعْتَرَفَ بِهِ رَحْمَةً وَإِحْسَانًا، وَقَدْ كَتَبَ سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، فَلَا يَسَعُ الْخَلِقُ إِلَّا رَحْمَتَهُ وَعَفْوَهُ، وَلَا يَبْلُغُ عَمَلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْجُوَ بِهِ مِنَ النَّارِ أَوْ يَدْخُلَ بِهِ الْجَنَّةَ، كَمَا قَالَ أَطْوَعُ الْخَلْقِ لِرَبِّهِ، وَأَفْضَلُهُمْ عَمَلًا وَأَشَدُّهُمْ تَعْظِيمًا لَهُ: لَنْ يُنَجَيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ. انتهى.
وأما كلام ابن عقيل المذكور فهو خلاف التحقيق وما تقتضيه النصوص، بل وخلاف ما حكاه إجماعا غير واحد من العلماء، قال السفاريني رحمه الله: وظاهر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والآثار السلفية على أن من تاب لله توبة نصوحا واجتمعت شروط التوبة في حقه، أنه يقطع بقبول توبته كرما منه وفضلا، وعرفنا قبولها بالشرع والإجماع خلافا للمعتزلة. اهـ
وأما توبة الكافر: فهي مقبولة بالإجماع كما نقله غير واحد، قال النووي في شرح مسلم وغيره: توبة الكافر من كفره قبولها مقطوع به، وفي كلام ابن عقيل من أئمة علمائنا ما يخالف ذلك، فإنه قال: إنه لا يجب ويجوز ردها. انتهى.
وأما قبول توبة المذنب النصوح بشرطها فقول الجمهور، وكلام الإمام ابن عبد البر يدل على أنه إجماع، ومن الناس من قال: لا يقطع بقبول التوبة، بل يرجى، وصاحبها تحت المشيئة، منهم إمام الحرمين، قال القرطبي: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعا، نقله في الفتح وأقره. انتهى.
وبهذا التقرير الواضح تعلمين أن توبتك مقبولة ـ إن شاء الله ـ فلا مسوغ لهذا القلق البتة، فأحسني ظنك بربك، واجتهدي في التقرب إليه وسعك، واعلمي أنه سبحانه رحيم بعباده لطيف بهم، وأنه سبحانه لا يضيع أجر المحسنين.
والله أعلم.