الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فإذا كان الورثة محصورين فيمن ذكر ولم يترك الميت وارثا غيرهم, فإن لزوجته الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث, قال الله تعالى { ... فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ... } النساء : 12 , ولبناته الثلثين فرضا – بينهن بالسوية – لقول الله تعالى في الجمع من البنات: { ... فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ... } النساء: 11, والباقي للأخوين الشقيقين تعصيبا؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ولا شيء لأبناء الأخ من الأب لأنهم محجوبون بالأخ الشقيق حجب حرمان, فتقسم التركة على ثمانية وأربعين سهما:
للزوجة ثمنها: ستة أسهم, وللبنات ثلثاها: اثنان وثلاثون سهما – لكل واحدة أربعة – ولكل أخ شقيق خمسة أسهم, وهذه صورتها:
الورثة أصل المسألة | 24 * 2 | 48 |
زوجة | 3 | 6 |
8 بنت | 16 | 32 |
2 أخ شقيق | 5 | 10 |
ولا يجوز حرمان الأخوين الشقيقين من ميراثهما, ومن حرمهما فقد تعدى حدود الله تعالى, وهو متوعد بما جاء في آخر آيات المواريث في سورة النساء حيث قال تعالى بعد بيان أنصبة الورثة: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} النساء: (13, 14) قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية:
تلك حدود الله أي: هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قُربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه، هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها؛ ولهذا قال: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: فيها، فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضًا بحيلة ووسيلة، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } أي: لكونه غيَّر ما حكم الله به وضاد الله في حكمه, وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم. اهــ .
وأما هل يجب على الأخوين الشقيقين المطالبة بحقوقهما؟ فجوابه أنه لا يجب عليهما, ويجوز لهما التنازل عن نصيبهما ابتداء, والمهم أن لهما الحق في المطالبة بحقهما, ولهما الحق في التنازل عنه, بشرط أن يكون المتنازل عن نصيبه بالغا رشيدا, ومن طلب منهما حقه وجب دفعه له ولم يجز حرمانه منه.
والله تعالى أعلم