الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد كان الواجب عليك أن تحرم من الميقات – السيل الكبير وهو ميقات أهل الرياض – ما دمت قدمت مكة وأنت تريد النسك, لأن من قصد مكة مريدا الحج أو العمرة وجب عليه أن يحرم من الميقات قبل دخول مكة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما عين المواقيت:هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. متفق عليه.
فإن تجاوز الميقات وجب عليه الرجوع، فإن لم يرجع، وأحرم دون الميقات، لزمه دم، لفوات واجب وهو الإحرام من الميقات.
جاء في الموسوعة الفقهية: مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَاصِدًا الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ أَوِ الْقِرَانَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، أَثِمَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إِلَيْهِ وَالإْحْرَامُ مِنْهُ. فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ سَوَاءٌ تَرَكَ الْعَوْدَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا عَامِدًا، أَوْ جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا. لَكِنْ مَنْ تَرَكَ الْعَوْدَ لِعُذْرٍ لاَ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الرُّجُوعِ. وَمِنَ الْعُذْرِ خَوْفُ فَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِضِيقِ الْوَقْتِ، أَوِ الْمَرَضِ الشَّاقِّ، أَوْ خَوْفِ فَوَاتِ الرُّفْقَةِ. وَذَلِكَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ. اهــ.
وبناء عليه، فما دمت قد تجاوزت الميقات بغير إحرام ولم ترجع إليه، وأحرمت من مكة، فإنه لزمك دم تذبحه وتوزعه على فقراء الحرم مع التوبة والاستغفار، فإذا كنت فديت بذبح شاة قبل يوم النحر -كما ذكرت- فإنه مجزئ في قول الجمهور.
قال النووي في المنهاج: وَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ ... اهــ.
وقال الشربيني الشافعي في شرحه على المنهاج: بل يفعل في يوم النحر وغيره، لأن الأصل عدم التخصيص، ولم يرد ما يخالفه ولكن يسن يوم النحر وأيام التشريق ... اهــ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: وَأَمَّا دَمُ الْجِنَايَاتِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ؛ لأَِنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ، فَلاَ تَخْتَصُّ بِزَمَانِ النَّحْرِ، بَل يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إِلَى أَيِّ وَقْتٍ آخَرَ، إِلاَّ أَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَانَ التَّعَجُّل بِهَا أَوْلَى، لاِرْتِفَاعِ النُّقْصَانِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ الثَّلاَثَةِ . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ وَقْتَ ذَبْحِ دِمَاءِ الْجِنَايَاتِ يَكُونُ مِنْ وَقْتِ فِعْل الْمَحْذُورِ .
والله تعالى أعلم.