الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلماء متفقون على عصمة الأنبياء من الكبائر دون غيرها، قال ابن عطية: وأجمع العلماء على عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل، وقد قال بجواز وقوع الكبائر منهم بعض من شذ من الطوائف كالكرامية من المرجئة وغيرهم. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: واعلم أن المنحرفين في مسألة العصمة على طرفي نقيض كلاهما مخالف لكتاب الله من بعض الوجوه: قوم أفرطوا في دعوى امتناع الذنوب حتى حرفوا نصوص القرآن المخبرة بما وقع منهم من التوبة من الذنوب ومغفرة الله لهم ورفع درجاتهم بذلك، وقوم أفرطوا في أن ذكروا عنهم ما دل القرآن على براءتهم منه، وأضافوا إليهم ذنوبا وعيوبا نزههم الله عنها، وهؤلاء مخالفون للقرآن وهؤلاء مخالفون للقرآن، ومن اتبع القرآن على ما هو عليه من غير تحريف كان من الأمة الوسط. اهـ.
قال في البحر المحيط: أما الكبائر: فحكى القاضي إجماع المسلمين أيضا على عصمتهم فيها، ويلحق بها ما يزري بمناصبهم كرذائل الأخلاق، والدناءات، وإنما اختلفوا في الطريق، هل هو الشرع أو العقل؟ اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى: 54423.
والذي نراه أن حكم من يقول هذا القول -ارتكاب الأنبياء للكبائر- يختلف باختلاف الداعي إليه، فمن يقول هذا القول على سبيل التنقص أو التعريض أو الغض من المكانة فهو كافر، قال خليل: وإن سب نبيًا، أو ملكًا، أو عرض، أو لعنه، أو عابه، أو قذفه، أو استخف بحقه، أو غير صفته، أو ألحق به نقصا....... قتل ولم يستتب. انتهى.
وقال صاحب التاج والإكليل لمختصر خليل: من أضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الكذب فيما بلغه أو أخبر به أو سبه أو استخف به أو بأحد من الأنبياء أو أزرى عليهم أو آذاهم؛ فهو كافر بإجماع. انتهى.
وراجع الفتوى: 134462، لمعرفة ما يدخل في تنقص الأنبياء وما لا يدخل.
وإذا كان من يقول هذا القول متأولاً، فلا ينسب إلى الكفر، وكذلك من كان جاهلًا بحقيقة ما يقول، فهو معذور بجهله -أيضًا- ولا ينبغي أن يحكم عليه بالكفر حتى تقام عليه الحجة، وللفائدة راجع الفتويين: 19084، 121629.
والله أعلم.