الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرق المخالفة لأهل السنة والمنتسبة للإسلام يعرف عددها من قول النبي صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار, وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة, والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار, قيل: يا رسول الله: من هم؟ قال: الجماعة. رواه ابن ماجه وصححه الألباني, وراجع في معنى هذا الحديث الفتويين: 17713، 12682.
وأما دليل حفظ السنة، فهو حفظ القرآن نفسه، فإن حفظ القرآن يستلزم حفظ السنة؛ لأنها الشارحة والمبينة له, وقد نص كثير من أهل العلم على أن الله تعالى قد حفظ السنة كما حفظ القرآن، وأن لفظ: (الذِّكْرَ) في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9], يشمل القرآن والسنة؛ لأن الله سمى السنة ذكراً في قوله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44] كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 28205.
قال ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: الذكر: اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن, وأيضًا فإن الله تعالى يقول {بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} فصح أنه عليه السلام مأمور ببيان القرآن للناس، وفي القرآن مجمل كثير كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه، لكن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان بيانه عليه السلام لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه، فقد بطل الانتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا اهـ.
وقال ابن الوزير في العواصم والقواصم: قال الله تعالى في حقِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وقال اللهُ تعالى فيما أوحاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وهذا يقتضي أن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزالُ محفوظةً، وسُنَّتُه لا تبرح محروسةٌ اهـ.
وفي مختصر الصواعق للبعلي : كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما أنزل الله، وهو ذكر من الله أنزله على رسوله، وقد تكفل سبحانه بحفظه، فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة، ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه، وهذا من أعظم الباطل، ونحن لا ندعي عصمة الرواة، بل نقول: إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك، ولا بد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته، ولا تلتبس بما ليس منها، فإنه من حكم الجاهلية اهـ.
وجاء في مختصر الصواعق أيضًا: قال تعالى آمرًا لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: {إن أتبع إلا ما يوحى إلي} [الأنعام: 50] وقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] قالوا: فعلم أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين كله وحي من عند الله، وكل وحي من عند الله فهو ذكر أنزله الله، وقد قال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} [النساء: 113] فالكتاب القرآن، والحكمة السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أوتيت الكتاب ومثله معه" فأخبر أنه أوتي السنة كما أوتي الكتاب، والله تعالى قد ضمن حفظ ما أوحاه إليه وأنزل عليه ليقيم به حجته على العباد إلى آخر الدهر اهـ.
وفي هذا جواب عن سؤالك الثالث عن أمد هذا الحفظ، وأنه باق إلى يوم القيامة.
والله أعلم.