الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى أولياء الأمور تعويد الأبناء الصغار على الأخلاق الفاضلة, ونهيهم عن أذية جيرانهم بالنظر في بيوتهم, ونحو ذلك من أنواع الأذية فتلك مسؤولية أولياء أمورهم في المقام الأول, ولهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة, فجعلها في فيه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ كخ؛ ليطرحها, ثم قال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة. وفي رواية لأحمد: فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها, وراجعي للمزيد الفتوى رقم: 189337.
وقد اختلف أهل العلم في حكم فتح نافذة تشرف على بيت الجار, فذهب بعضهم إلى جواز فتح الجار نافذة تشرف على بيت جاره, وذهب بعضهم إلى عدم جواز ذلك, وألزم بعضهم تحصيل الستر بوضع الستور التي تحجب النظر على النوافذ مثل: الجدران المرتفعة أو ما أشبهها, فيجب على الأعلى أن يضع ساترًا يمنع النظر, وإن استويا اشتركا في تكلفة وضع الساتر.
قال البهوتي في شرح المنتهى: ويلزم الأعلى) جعل (سترة تمنع مشارفة الأسفل) لحديث {لا ضرر ولا ضرار} " إذ الإشراف على الجار إضرار به لكشفه جاره, واطلاعه على حرمه (وإذا استويا) فلم يكن أحد الجارين أعلى من الآخر (اشتركا) في السترة; لأنه لا أولوية لأحدهما على الآخر فإن امتنع أحدهما من ذلك أجبر; لأنه حق عليه فأجبر عليه كسائر الحقوق, وليس له الصعود على سطحه قبل بناء سترة حيث كان يشرف على جاره, ولا يلزمه سد طاقة إذا لم يشرف منه على جاره, ولا يجبر ممتنع من بناء حائط بين ملكيهما, ويبني الطالب في ملكه إن شاء. اهـ
وقال ابن فرحون في التبصرة: ومن أحدث عليه ضرر من اطلاع أو فتح باب أو كوة من ذلك, وكذلك لو أحدث نصبة يطلع منها على جاره منع, وقيل: لا يمنع, ويقال لجاره استر على نفسك قاله أشهب, والمنع قوله في المدونة.
وفي الموسوعة الفقهية: ذهب المالكية وهو المفتى به عند الحنفية - إلى أنه يقضى على من أحدث كوة أو بابًا أو غرفة من داره يشرف منها على جاره أن يسد جميعها, وأما الكوة القديمة فلا يقضى بسدها, ويقال للجار استر على نفسك إن شئت, وقال الخير الرملي من الحنفية: لا فرق بين القديم والحديث حيث كانت العلة الضرر البين لوجودها فيهما, ويرى الحنفية في المذهب - وهو ما يؤخذ من عبارات فقهاء الحنابلة - أن من أحدث شباكًا أو بناء جديدًا وجعل له شباكًا على المحل الذي هو مقر لنساء جاره سواء كان ملاصقًا أو بينهما طريق فاصل فإنه يؤمر برفع الضرر, ويجبر على رفعه بصورة تمنع وقوع النظر: إما ببناء حائط, أو وضع طبلة, لكن لا يجبر على ستر الشباك بالكلية, ويرى الشافعية في المذهب أنه يجوز للمالك فتح كوات وشبابيك في ملكه ولو لغير الاستضاءة; لأنه تصرف في ملكه, وقيد الجرجاني جواز فتح الكوات بما إذا كانت عالية لا يقع النظر منها إلى دار جاره, إلا أن الشيخ أبا حامد صرح بجواز فتح كوة في ملكه مشرفة على جاره وعلى حريمه, وليس للجار منعه؛ لأنه لو أراد رفع جميع الحائط لم يمنع منه فإذا رفع بعضه لم يمنع, وقال بعض متأخري الشافعية: يندفع الضرر عن الجار بأن يبني في ملكه جدارًا يقابل الكوة ويسد ضوأها ورؤيتها فإنه لا يمنع من ذلك, وصرح البجيرمي أنه يحرم على الشخص فتح كوة في جداره يطلع منها على عورات جاره. اهـ
والله أعلم.