الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك لم يكتمل، وعلى العموم فإن كان الحال كما ذكرت فإن أباك على خطر عظيم, وفساد كبير في الدين والخلق, وهو ظالم لك, ومقابل للإحسان بالإساءة والنكران، ولا ريب أن برك به وإحسانك إليه عمل صالح من أفضل الأعمال التي يحبها الله ولا تضرك - بإذن الله - إساءته إليك، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي, وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ, وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ, فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ" رواه مسلم, ومعنى تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار, لكن ننبهك إلى أن النفقة الواجبة للزوجة والأولاد تقدم على نفقة الوالدين ومن بعدهم، قال ابن قدامة في المغني: " ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص وله امرأة فالنفقة لها دون الأقارب؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث جابر: إذا كان أحدكم فقيرًا فيبدأ بنفسه, فإن كان له فضل فعلى عياله, فإن كان له فضل فعلى قرابته ", فهذا في حال وجوب النفقة للوالدين فكيف إذا لم يكونا بحاجة للنفقة؟
واعلم أن أعظم البر بوالدك والإحسان إليه نصحه, والأخذ بيده إلى طريق التوبة, والدعاء له بالهداية, فلا تيأس من ذلك, فليست هدايته على الله ببعيدة، وإذا بدا لك أن الطريق إلى استصلاح والدك هجره فلا حرج عليك في ذلك، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في لقاء الباب المفتوح : هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟ فأجاب : نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما، في الطعام والشراب والسكن وغير ذلك"
والله أعلم.