الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور قد رواه الحاكم في المستدرك بلفظ يختلف عن ما ذكر قليلًا، وقال عنه الذهبي في التلخيص: صحيح, ولفظه : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ رُوحَ اللَّهِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ نَازِلٌ فِيكُمْ, فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ, رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ, كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ, فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ؛ حَتَّى تَرْعَى الْأَسْوَدُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنُّمُورُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ مَعَ الْحَيَّاتِ، لَا تَضُرُّهُمْ فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى, وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.
وفي خصوص ما سألت عنه من معاني الفاء فجوابه: أن الفاء في اللغة تكون عاطفة, وتفيد الترتيب المعنوي, والذكري, والتعقيب, والسببية، وتكون رابطة للجواب, وتكون زائدة... وقد بينا كل ذلك مع أمثلته في الفتوى رقم: 52958 فراجعها.
وعلى أية حال: فمعنى: فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً أنه يمكث هذه المدة مع المسلمين الذين كان الحديث عنهم؛ ولم يرد ذكر هنا لفترته السابقة مع قومه؛ حتى يقال بأن تلك المدة محسوبة من الأربعين, وجاء في بعض روايات الحديث العطف بثم التي تفيد الترتيب مع الانفصال، ففي الحديث عن الدجال يقول صلى الله عليه وسلم: فينزل عيسى عليه السلام فيقتله، ثم يمكث عيسى عليه السلام في الأرض أربعين سنة إمامًا عدلًا، وحكمًا مقسطًا. أخرجه ابن حبان وأحمد وابنه وابن منده وغيرهم وصححه الألباني.
والله أعلم.