الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن لا يزيغ قلبك بعد أن هداك للإيمان, وأن يكره إليك الكفر والفسوق والعصيان, وإياك اليأس والقنوط, فهذه هي التي يريدها منك الشيطان, وود لو ظفر بها, فلا يكن أقوى منك عزيمة, فمهما عدت للمعصية فعد للتوبة, وليكن فرحك بذلك أشد من حزنك, فمن وفق للتوبة فقد وفق لخير عظيم, ألا تسمع إلى قوله تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة:118}، قال البيضاوي في تفسيره: ثم تاب عليهم بالتوفيق للتوبة ليتوبوا. انتهى.
وقال الطبري: هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته, الموفق من أحب توفيقه منهم لما يرضيه عنه, {الرحيم} بهم أن يعاقبهم بعد التوبة, أو يخذل من أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه.
فليكن إصرارك على التوبة أشد وأعظم من إصرار الشيطان على عودتك للمعصية وتزيينها لك, قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
وما ذكرته من حالك يعتبر إدمانًا, وهو مرض يحتاج إلى العلاج النفسي والمعنوي, فابتغ إلى ذلك سبيلًا بالدعاء, والمحافظة على أذكار الصباح والمساء, وإقام الصلاة حيث ينادى بها، ثم لا حرج عليك أن تذهب إلى طبيب نفسي, مستعينًا بالله عز وجل متوكلًا عليه.
ومما ننصحك به من الأسباب التي تعين - بإذن الله - على ترك ذلك ما يلي:
1-تجنب الخلوة والانفراد.
2-المحافظة على غض البصر عما يثير الغريزة ويدعو إلى المعصية.
3- البحث عن رفقة صالحة تذكرك بالخير, وتدلك عليه, وتعينك على الالتزام, وتجنب رفقاء السوء وأماكنه, قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلًا ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: أَبَعْدَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ تَكُونُ لَك تَوْبَةٌ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَيْهِ, فَسَأَلَهُ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، وَلَكِنْ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا فَإِنَّ فِيهَا قَوْمًا صَالِحِينَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي الطَّرِيقِ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ; فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَأَمَرَ أَنْ يُقَاسَ فَإِلَى أَيِّ الْقَرْيَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ أُلْحِقَ بِهِ، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ.
4- كلما عرض لك هاجس وذكرى حول تلك الأمور فافزع إلى ربك بالاستعاذة من شر الشيطان, قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت: 36}. وقال: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ[الأعراف:201].
5- المبادرة إلى الزواج متى ما استطعت ذلك, وإن كان المانع هو النفقة فقد تجد من لا تريد نفقة، وإن لم يتيسر ذلك فعليك بالصوم, فقد قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر, وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم, فإنه له وجاء.
والله أعلم.