الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح السائل أولا بالرجوع إلى النصحية الذهبية للشيخ العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ في موضوع سؤاله، وتجدها في الفتوى رقم: 18788.
وكذلك ما أجاب به الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح عندما سئل: نحن في بداية طلبنا للعلم، فهل يا شيخنا أحسن الله إليكم من وصايا جامعة نافعة في هذا المجال والله يحفظكم؟ فأجاب ـ رحمه الله: أوصيكم ألا يكون همكم وشغلكم الشاغل ما فتن به بعض الشباب الآن في مسألة التكفير: هل هذا كافر أو مسلم؟ هل هذا الحاكم كافر أو مسلم؟ وإذا حصل أي اختلاف بين الشباب قال: هذا اتركوه، هذا مبتدع، هذا إخواني، هذا تبليغي، هذا سلفي، وما أشبه ذلك، الدين الإسلامي يأمر أهله بالاتحاد وأن يكونوا على شريعة الله، قال الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا {آل عمران:103}... لا يكن همكم أن تقولوا: العالم الفلاني أيش فيه! العالم الفلاني أيش فيه! لا، دعوا هذا اتجهوا لطلب العلم والعمل به ودعوا الناس، العلماء ما منهم أحد معصوم، كل يخطئ ويصيب، فمن أخطأ لم نقبل خطأه ومن أصاب قبلنا صوابه.. ألم تعلموا أن الله تبارك وتعالى قبل قول المشركين، وهم مشركون؟ بلى، قال الله عز وجل: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا {الأعراف:28}هذه حجة { وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا الأعراف:28}هذه حجة ثانية، ماذا قال الله؟ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ {الأعراف:28} أبطل هذه الحجة لأنها غير صحيحة، وسكت عن قولهم: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا { الأعراف:28} لأنها صحيحة، قبلها الله مع أنها من قول المشركين، ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الشيطان لأبي هريرة: ألا أدلك على آية من كتاب الله إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، قال له أبو هريرة: بلى، قال: آية الكرسي، فلما أخبر أبو هريرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: صدقك وهو كذوب.. ألم تعلموا أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: يا محمد! إننا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع... وذكر بقية الحديث، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقول الحق، أقره على هذا، ثم أيد هذا بقوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ { الزمر:67} يهودي قال الحق فقبل، مشركون قالوا الحق فقبلوا، الشيطان قال الحق فقبل، يا أخي! لا تجعل ديدنك وهمك: ما تقول في فلان؟! ما تقول في فلان؟! كفر فلاناً! بدع فلاناً! فسق فلان! ما ينفع هذا، من المؤسف أن هذه اليقظة الإسلامية في الشباب ـ والحمد لله ونسأل الله أن يثبتهم ـ ضربت بهذه الفتنة والعار، تفرق الشباب لأجل العالم الفلاني والعالم الفلاني، مالنا وللعلماء! العالم إن كان ميتاً قد قدم على ربه والله تولاه، وإن كان حياً فالحق مقبول من أي إنسان والباطل مرفوض من أي إنسان.. اهـ.
وراجع ما أجبنا به سابقا في الفتوى رقم: 147749.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 49050، ورقم: 177355.
وأما بخصوص سؤالك: هل كل من خالف أهل السنة و الجماعة في أصل من الأصول لا يؤخذ منه علم؟ فهو لا يتناسب مع المثال الذي ذكرته، بالحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ فلا نعلم أنه خالف أهل السنة في أصل من الأصول، كما لا نعلم أنه وافق المعتزلة في شيء من أقوالهم، وإنما وافق الأشاعرة في بعض المسائل! وعلى أية حال، فالمخالف لأهل السنة في أصل من الأصول كالقدرية والمعتزلة والخوارج والروافض، لا يصح أن يَأخذ عنهم العلم إلا من يعرف بدعتهم بحيث لا يتأثر بها، وهذا إذا لم يوجد من أهل السنة من يسد هذه الخلة، وراجع الفتويين رقم: 134269، ورقم: 128871.
وقد سبق لنا بيان الرؤية الشرعية للتعامل مع أخطاء العلماء والدعاة إن وجدت، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 4402، 59520، 103867.
والله أعلم.