الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الهداية والستر في الدنيا والآخرة، ثم اعلمي أن الخلاف في تحريم المعازف خلاف ضعيف جدا لا يلتفت إليه؛ وتحريمها كالمتفق عليه بين العلماء المعتبرين، وانظري الفتوى رقم: 171469.
وسواء كانت المعازف مجردة عن الكلمات أو مصحوبة بكلمات هادفة أو غيرها فكل ما كان من آلات اللهو فالاستماع إليه محرم؛ سوى ما استثناه الشارع وهو الدف ـ كما هو معلوم ـ وأما الحكمة من تحريمها فإن المسلم يمتنع عما حرم الله تعالى ولو لم تظهر له حكمته قاطعا بأن الله تعالى لم يحرم ما حرمه على عباده عبثا، وإنما له الحكمة البالغة سبحانه في كل ما أمر به ونهى عنه، ومع ذا فإن الحكمة من تحريم آلات اللهو ظاهرة، فإن لها أثرا عظيما في إفساد القلب وشغله عن مصالحه والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فبعض مفاسدها وأضرارها الحاصلة للقلب كاف في القطع بتحريمها، وقد أطال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ النفس في إغاثة اللهفان في بيان بعض ما للغناء وآلات اللهو من الأضرار والمفاسد، ونحن نسوق لك شذرة من كلامه وتتمة البحث تنظرينها هناك إن شئت، يقول رحمه الله: وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والتكذيب في قوم، والفجور في قوم، والرعونة في قوم، وأكثر ما يورث عشق الصور، واستحسان الفواحش، وإدمانه يثقل القرآن على القلب، ويكرهه إلى سماعه بالخاصية، وإن لم يكن هذا نفاقاً فما للنفاق حقيقة، وسر المسألة: أنه قرآن الشيطان، كما سيأتي، فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدا، وأيضاً فإن أساس النفاق: أن يخالف الظاهر الباطن وصاحب الغناء بين أمرين، إما أن يتهتك فيكون فاجراً، أو يظهر النسك فيكون منافقاً، فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات، ومحبة ما يكرهه الله ورسوله من أصوات المعازف، وآلات اللهو، وما يدعو إليه الغناء ويهيجه، فقلبه بذلك معمور، وهو من محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه قفر، وهذا محض النفاق، وأيضاً فإن الإيمان قول وعمل: قول الحق، وعمل بالطاعة، وهذا ينبت على الذكر وتلاوة القرآن، والنفاق: قول الباطل، وعمل البغي، هذا ينبت على الغناء. وأيضاً، فمن علامات النفاق: قلة ذكر الله، والكسل عند القيام إلى الصلاة، ونقر الصلاة، وقل أن تجد مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفه. انتهى.
والله أعلم.