حرمة الكذب لأخذ الأموال بالحيلة ووجوب ردها إلى أصحابها

26-3-2013 | إسلام ويب

السؤال:
أنا شاب أعيش بإحدى البلدان العربية، والظروف التي أمر بها قاسية، كنت ملتزما بشكل كبير وخاصة في صلاتي، والآن أحس أنني مقصر ولكنني أحاول جاهدا الحفاظ عليها، ومشكلتي أنني آخذ مالا من أصدقائي بحجة أنني أعامل لهم على قبول للدراسة بالخارج، ولكنني بصراحة أكذب عليهم، ولا آخذ المال كي أسكر به أو أقترب من المحرمات ـ والحمد لله ـ بل أصرفه على بيتنا، فأنا أطيع والدي كثيرا وأحب التوبة وأقف أمام الله أكثر من مرة في قيام اليل وأبكي وأدعوه أن يرزقني وأسدد ديني وأبدأ حياة جديدة، وأحيانا من باب الاضطرار آخذ مالا من أشخاص كي أسدد للذي أخذت منه وأكذب وأحس أن الله لن يستجيب لي، لأن مأكلي ومشربي حرام؟ ولكنني لا أقرب الفواحش وأحب أن يساعدني الله ولن أيأس من الله أن يفرج علي ويرزقني بوظيفة أو أي شيء كي أسدد ديني، فهل دعواتي ليست مستجابة؟ أم أظل أدعو وأحاول أن أصرف نفسي عن هذا الفعل؟ مع العلم أنني لم أتزوج بعد ووالدي شيخ كبير لا يصلي، كما أنيي أحس أن سحرا في بيتنا، ولدي إخوة وأخوات لم يتزوجوا.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يهديك، ويعينك على التوبة، ويفرج عنك ويقضي ديونك، ويشفي أباك، وأن يزيل عنكم ما تعانون منه، وأن يجزيك خيراً على حرصك على الإحسان والبر بأبيك، ومن أعظم البر به حثه على الصلاة في وقتها، وأما عن الكذب على الأصدقاء وأخذ أموالهم بالحيلة: فهو محرم، لقوله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ {البقرة: 188}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. متفق عليه.
ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. متفق عليه.
ويقول أيضاً: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد وأبو داود.
ويقول أيضاً: من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان. رواه أحمد.
وفي الحديث: إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه البخاري.

وبناء عليه، فتلزمك التوبة من هذا الفعل وعدم العود لمثله ويجب عليك رد هذه الأموال إلى أصحابها أو طلب السماح منهم فقد قال صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح.

قال الصنعاني في سبل السلام: والحديث دليل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه. انتهى.

 وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه، أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم.

قال ابن كثير ـ رحمه الله: من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله, فإن الله يتوب عليه فيما بينه وبينه, وأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم. اهـ بتصرف يسير.

وعليك بالاستعانة بالله تعالى في قضاء هذه الديون، واستعن به في تيسير أمورك فعليك بالإكثار من الاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله والدعاء بالاسم الأعظم ودعاء الكرب ودعوة يونس ـ عليه السلام ـ والمواظبة على الأدعية المأثورة في قضاء الدين، لقوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-12}.

وقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم. رواه أحمد والترمذي.

وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له.

وعن أبي بن كعب: قلت: يا رسول الله، إني أكثر من الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك. رواه الترمذي والحاكم في المستدرك، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه: كلمة أخي يونس عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. والحديث رواه الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص.

وفي سنن أبي داود وسنن ابن ماجه من حديث أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله، الله ربي لا أشرك به شيئا.

وروى أحمد وغيره عن ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا قال: فقيل: يا رسول، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.

وأخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.

وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.

وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أتدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد.

وعن علي ـ رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه، فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال، ألا أعلمك كلمات علمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل ثبير دينا أداه الله عنك، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الحاكم وحسنه الأرنؤوط والألباني.

وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر.

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «أَلَا ‌أُعَلِّمُكَ ‌دُعَاءً ‌تَدْعُو ‌بِهِ ‌لَوْ ‌كَانَ ‌عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلٍ دَيْنًا لَأَدَّى اللَّهُ عَنْكَ؟ قُلْ يَا مُعَاذُ , اللَّهُمَّ مَالِكُ الْمُلْكِ , تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ , وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ , وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ , وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ , بِيَدِكَ الْخَيْرِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , رَحْمَانُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , تُعْطِيهُمَا مَنْ تَشَاءُ , وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ , ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ». رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد، كما قال المنذري، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.

والله أعلم.

www.islamweb.net