الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني محرم في الإسلام، ولا تنبني عليه الأحكام الشرعية من المحرمية، والإرث وغير ذلك. كما سبق في الفتوى رقم: 58889 وولد الزنا ينسب إلى أمه التي ولدته، وإلى أهلها نسبة شرعية صحيحة، تثبت بها الحرمة والمحرمية، وتترتب عليها الولاية الشرعية والإرث، وغير ذلك من أحكام البنوة؛ لأنه ابنها حقيقة، لما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد - في قصة الملاعنة- : فكان ابنها يدعى إلى أمه، ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها.
قال النووي: وقد أجمع العلماء على جريان التوارث بينه وبين أمه، وبينه وبين أصحاب الفروض من جهة أمه، وهم إخوته وأخواته من أمه وجداته من أمه. اهـ.
وليس لابن الزنا علاقة بمن زنا بأمه، ولا ينسب إليه مطلقا عند جماهير العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. متفق عليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: وولد الزنى لا يلحق الزاني في قول الجمهور. اهـ .
بل حكاه ابن عبد البر إجماعا فقال: وأما اليوم في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته، وأكمل دينه، فلا يلحق ولد من زنا بمدعيه أبدا عند أحد من العلماء، كان هناك فراش أو لم يكن. وقال: قال أبو عمر: أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يلحق بأحد ولد يستلحقه إلا من نكاح، أو ملك يمين .اهـ.
فلا تبحث عمن زنا بأمك؛ لأنه لا علاقة بينكما البتة؛ وراجع بيان ذلك بالتفصيل في الفتاوى أرقام :12263 131191 6045 .
ولا يجوز لك الانتساب لهذا المتبني وزوجته، ولو رضيا بذلك، وهذه المتبنية ليست محرما لك - إن لم تكن أرضعتك الرضاع المحرم -، فلا يجوز لك الخلوة بها. والمتبني لك وزوجته لهما - بإذن الله - أجر تربيتك وكفالتك.
وأما النسبة لهما في الوثائق الرسمية، فيجب تغييرها إن أمكن، لكن إن كان يتعذر تغييرها، أو يترتب عليه ضرر، فلا حرج في إبقائها للضرورة، مع إظهار عدم النسبة لهذا المتبني قدر الوسع. كما بينا في الفتويين: 7854 27155.
والله عز وجل حكم عدل، ومن عدله سبحانه أنه لا يُعاقب أحدا بجناية غيره، فولد الزنا ليس عليه ذم بما جنى أبواه.
جاء عن عائشة رضي الله عنها، أنها سئلت عن ولد الزنا، فقالت: ليس عليه من خطيئة أبويه شيء، لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}. أخرجه عبد الرزاق.
وأما حديث: ( لا يدخل الجنة ولد زنية ) فليس بصحيح، ضعفه ابن خزيمة، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
وعلى فرض صحته، فالمراد به كما قال الطحاوي: من تحقق بالزنى حتى صار غالبا عليه، فاستحق بذلك أن يكون منسوبا إليه، فيقال: هو ابن له كما ينسب المتحققون بالدنيا إليها, فيقال لهم بنو الدنيا؛ لعلمهم لها وتحققهم بها، وتركهم ما سواها، وكما قد قيل للمتحقق بالحذر: ابن أحذار، وللمتحقق بالكلام: ابن الأقوال، وكما قيل للمسافر: ابن سبيل ... فمثل ذلك ابن زنية، قيل لمن قد تحقق بالزنى حتى صار بتحققه به منسوبا إليه، وصار الزنى غالبا عليه: أنه لا يدخل الجنة بهذه المكان التي فيه، ولم يرد به من كان ليس من ذوي الزنى الذي هو مولود من الزنى .اهـ باختصار .
وكذلك حديث : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا قال: لا خير فيه ، نعلان أجاهد بهما في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد زنا. لا يصح ، أخرجه أحمد وابن ماجه، وضعفه البوصيري، والألباني، والأرنؤوط . وانظر لمزيد الفائدة الفتويين: 63153 16897.
والله أعلم.