الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم الذي يمكنه النظر في الأدلة ومعرفة الراجح أن يتبع ما دل عليه الكتاب أو السنة؛ لقول الله تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {الأعراف:3}.
وجاء في الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: وَأَمَّا أَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَاجِبٌ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ وَعُلِمَ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ فِي الْوَقَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ الرَّاجِحِ مِنَ الظَّنَّيْنِ، وَذَلِكَ كَتَقْدِيمِهِمْ خَبَرَ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ عَلَى خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ ـ وَمَنْ فَتَّشَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَنَظَرَ فِي وَقَائِعِ اجْتِهَادَاتِهِمْ عَلِمَ عِلْمًا لَا يَشُوبُهُ رَيْبٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ مِنَ الظَّنَّيْنِ دُونَ أَضْعَفِهِمَا، إلى أن قال: وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ رَاجِحًا، فَالْعُقَلَاءُ يُوجِبُونَ بِعُقُولِهِمُ الْعَمَلَ بَالرَّاجِحِ. انتهى.
أما العامي الذي لا قدرة له على فهم الأدلة والموازنة بينها ففرضه سؤال من يثق في علمه ودينه من العلماء، لقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43}.
وقال الإمام ابن عبد البر: أما من قلد فيما ينزل به من أحكام شريعته عالما يتفق له على علمه فيصدر في ذلك عما يخبره فمعذور، لأنه قد أدى ما عليه وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة، لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك. اهـ.
وإذا أخذ العامي بالقول المرجوح الذي قال به بعض أهل العلم المعتبرين فلا إثم على العامي في تقليد من أفتاه به إذا كان محل ثقة عنده في العلم والورع.
وأما عن تتبع الرخص: فهو مذموم إذا داوم عليه الإنسان بحيث يأخذ بالأسهل في كل مسألة.
وأما من أخذ بالأسهل في مسألة أو مسألتين أو نحو ذلك لحاجته لذلك فلا حرج عليه ـ إن شاء الله ـ قال الشيخ محمد بن إبراهيم: المسألة الخلافية إذا وقعت فيها الضرورة....جاز للمفتي أن يأخذ بالقول الآخر من أقوال أهل العلم الذي فيه الرخصة. انتهى.
وممن رجح جواز الأخذ بالرخصة عند الحاجة السبكي فقال رحمه الله: يجوز التقليد للجاهل والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال الاختلاف رحمة، إذ الرخص رحمة. انتهى.
والخلاصة أن العمل بالراجح واجب ولا يترك للمرجوح لمجرد ارتياح النفس له فحسب، وقد قال الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في المراقي:
وقول من قلد عالما لقي * الله سالما فغير مطلق.
ثم قال في الشرح: إنما يسلم إذا كان قول العالم راجحا، أو ضعيفا عمل به للضرورة مع حصول شروط العمل بالضعيف أو لترجيحه عند ذلك العالم إن كان من أهل الترجيح.
وأما عن مناقشة ما في الموقع المذكور وما رأيته في غيره والأسئلة المتعلقة بذلك فننصح بمراجعة أهل الموقع فيه ليوضحوا لك مرادهم، وما كان عندك من مسائل علمية تشكل عليك فيمكن أن ترسلها لنا مسألة مسألة ولتكن كل واحدة في سؤال مستقل.
والله أعلم.