الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام دين الفطرة، كما قال تعالى:فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30].
وقال صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء؟. رواه البخاري عن أبي هريرة.
وإذا كان الدين فطرياً، فإنه لا يتعارض مع العقل بحال من الأحوال، لأن العقل السليم من الآفات والعيوب يُقِر كل ما كان من الفطرة، ويتبعه دون أدنى إنكار.
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الروح: الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- لم يخبروا بما تحيله العقول، وتقطع باستحالته، بل أخبارهم قسمان:
1- ما تشهد به العقول والفطرة.
2- ما لا تدركه العقول بمجردها، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفصيل البرزخ واليوم الآخر، وتفاصيل الثواب والعقاب، ولا يكون خبرهم محالاً في العقول أصلاً، وكل خبر يظن أن العقل يحيله، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون الخبر كذباً عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسداً. انتهى
وإذا تتبعنا الأحكام الشرعية، وجدنا أنها تتوافق مع العقول الصحيحة، ولا تتعارض معها أبداً، ومثال ذلك تشريع الله تعالى للقصاص، كما في قول الله تعالى:وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179].
وقال تعالى:وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45].
وقال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى [البقرة:178].
فهذا حكم من الأحكام التي جاء بها الدين، ومع هذا فقد قرر المشركون في جزيرة العرب نفس الحكم قبل مجيء الإسلام، لأن عقولهم أملت عليهم أن قتل القاتل فيه من حفظ الأنفس ما فيه، فكانوا يقولون "القتل أنفى للقتل" وقد عبر القرآن عنها بأخصر عبارة وأحسن بيان في الآية السابق ذكرها.
وقد أثبت العلم الحديث عدداً من النظريات والفوائد، في كثير من الأمور، فإذا هي من شرعة الإسلام، التي جاء بها القرآن:تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء [النحل:89].
وقد سبق بيان بعض المسائل من هذا القبيل في الفتوى رقم:
12479 والفتوى رقم: 13174 والفتوى رقم: 12276 والفتوى رقم: 14237 والفتوى رقم: 18220 ، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 8139 والفتوى رقم: 16595
والفتوى رقم: 12103.
فهذا وأمثاله أكبر دليل على أن الدين لا يخالف العقل الذي يبني أحكامه على الحقيقة والواقع، دون العقول المنتكسة التي ترى الحق باطلاً والباطل حقاً.
والله أعلم.