الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإبراد بصلاة الظهر مستحب في شدة الحر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم. متفق عليه.
فإذا لم يشتد الحر لم يشرع الإبراد، وإذا اشتد ولم يكن على الناس مشقة في الحضور كأن كانوا يمشون في كن أو نحوه، فقد اختلف العلماء هل يشرع الإبراد حينئذ أو لا؟ والقول بالمشروعية أقرب، عملا بالعموم.
قال الحافظ: قال جمهور أهل العلم: يستحب تأخير الظهر في شِدَّةِ الْحَرِّ إِلَى أَنْ يَبْرُدَ الْوَقْتُ، وَيَنْكَسِرَ الْوَهَجُ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَالتَّعْجِيلُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا، لَكِنْ خَصَّهُ بِالْبَلَدِ الْحَارِّ، وَقَيَّدَ الْجَمَاعَةَ بِمَا إِذَا كَانُوا يَنْتَابُونَ مَسْجِدًا مِنْ بُعْدٍ، فَلَوْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ، أَوْ كَانُوا يَمْشُونَ فِي كِنٍّ، فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمُ التَّعْجِيلُ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا قَيْدٍ، وَهُوَ قَول إِسْحَاق والكوفيين، وابن الْمُنْذِرِ. انتهى.
ثم اختلفوا بعد هذا في حد الإبراد فقيل إلى ثلث الوقت، وقيل إلى نصفه، وقيل غير ذلك. غير أنهم اتفقوا كما قال الحافظ على أنه لا يؤخرها إلى آخر الوقت.
فإذا تبين لك ما ذكرناه، فإذا كان ما تفعله تلك الجماعة موافقا للمشروع في الإبراد، فلا يوصف بأنه بدعة، وإن يكن فيه شيء من المخالفة، فينبغي أن يناصحوا ليأتوا الأمر على وجهه، والظاهر من حالهم أنهم حريصون على السنة، وأنه لو ذكر لهم كلام أهل العلم فيما يقع منهم من مخالفة، فإنهم يرجعون إليه، هذا من حيث حكم المسألة، ولكن إذا كان إبراد هذه الجماعة بالصلاة يؤدي إلى نفور الناس، وتذمرهم، وتنشأ عنه فتن ومفاسد، فلو تركوه ريثما يبينون للناس، ويطيبون قلوبهم، كان ذلك حسنا؛ وانظر الفتوى رقم: 134457.
وأما إغلاق المسجد في غير وقت الصلاة فقد بينا حكمه في الفتوى رقم: 162875.
والله أعلم.