الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك، وأن يتوب عليك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك.
وقبل أن نجيبك نود لفت نظرك إلى أن الخلاف في هذا الحكم أو غيره من الأحكام، لا يستدعي الوسوسة في الردة عن الإسلام والعياذ بالله. ودين المرء ينبغي أن يكون أغلى وأعظم وأهم ما لديه، فيوطن نفسه على اتباع أمر الله وطاعته، والاستقامة على شريعته، وإن خالف ذلك هوى النفس ومرادها، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء].
وأما جواب سؤالك، فاعلمي أن مذاهب الأئمة المتبوعين من أهل السنة اتفقت على أن من تاب من الزنا فلا حرج في نكاحه، بل إن جمهور العلماء على صحة النكاح ولو بغير توبة؛ وراجعي في ذلك الفتويين: 36807، 38866.
وقال السيوطي في (الدر المنثور): أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق سعيد مولى ابن عباس قال: كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال: إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله علي، وقد رزقني الله منها توبة، فأردت أن أتزوجها فقال الناس: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} ! فقال ابن عباس: ليس هذا موضع هذه الآية، إنما كن نساء بغايا متعالنات يجعلن على أبوابهن رايات يأتيهن الناس يعرفن بذلك، فأنزل الله هذه الآية. تزوجها فما كان فيها من إثم فعليَّ. اهـ.
وراجعي في تفسير قوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. [النور: 3] الفتوى رقم: 5662.
وأما حديث أيمن بن أم أيمن وزناه بامرأة في الجاهلية، فلم نجده في ما تيسر لنا من كتب الحديث، لا بإسناد صحيح، ولا بإسناد ضعيف !!
وأما حديث: "أيما رجل زنى بامرأة ثم تزوجها فهما زانيان أبدا" فليس بمرفوع، بل هو مروي عن بعض الصحابة موقوفا، كابن مسعود وعائشة والبراء بن عازب. وقد روى هذه الآثار سعيد بن منصور في سننه في: (باب الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها) وروى معها ما يخالفها عن صحابة آخرين كعمر بن الخطاب وابن عباس.
وقد روى البيهقي في سننه أثر عائشة بلفظ: "لا يزالان زانيين" . ثم قال: ويذكر عن البراء بن عازب نحو قول عائشة رضي الله عنها، وقد عورض بقول ابن عباس، كما عورض بقوله قول عائشة رضي الله عنها، ومع من رخص فيه دلائل الكتاب والسنة. اهـ.
يعني أن الراجح من فتاوى هؤلاء الصحابة فتاوى من أباح زواجهما، لدلالة الكتاب والسنة على ذلك.
ويمكن حمل أثر عائشة وابن مسعود والبراء على من لم يتب من زناه، وقد روي عن ابن مسعود ما يؤيد ذلك.
ففي (مصنف عبد الرزاق) عن ابن سيرين قال: سئل ابن مسعود عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها؟ قال: «هما زانيان ما اجتمعا» قال: فقيل لابن مسعود: أرأيت إن تابا؟ قال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات} [الشورى: 25]. قال: فلم يزل ابن مسعود يرددها حتى ظننا أنه لا يرى به بأسا. اهـ.
والحاصل أنه لا حرج في زواجكما، والمهم أن تجتهدي في طاعة الله تعالى وإكمال طريق التوبة، بإتباع السيئات بالحسنات الماحيات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) [الفرقان].
والله أعلم.