الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الترجمة مأخوذة بنصها من كتاب (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي. وكذلك كل الأعلام المترجمين في مكتبتنا تم ربطها بمواضعها من سير أعلام النبلاء.
وأما محتوى الترجمة؛ فهي على عادة كتب التاريخ والتراجم، لا تخلو من كلام مرسل لا يصح له إسناد، ولا تقوم عليه حجة، حتى لقد قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: ثلاثة علوم لا أصل لها: التفسير، والتاريخ، والملاحم. اهـ. كما نقله عنه الدكتور حمزة المليباري في كتابه: (نظرات جديدة في علوم الحديث).
ومما ينبغي التثبت منه قول الذهبي -رحمه الله-: كان كاتب ابن عمه عثمان وإليه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه على عثمان .... فمثل هذه التهمة تحتاج إلى دليل.
قال الدكتور محمد الصبحي في بحثه: (فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه): يتهم بعضهم مروان بن الحكم في ذلك، وأنه افتأت على عثمان رضي الله عنه بكتابته، وأستبعد ذلك جداً؛ لما تقدم من أن تفاصيل خطة إرسال هذا الكتاب تدل على أن مرسله لم يكن يريد إيصاله إلى مصر، وإنما يهدف إلى إطلاع وفد أهل مصر عليه، ولا مصلحة البتة لمروان في ذلك.
والذي يبدو -والله أعلم- أن الذي زيف هذا الكتاب هو: عبد الله بن سبأ، أو أحدُ أعوانه، فهذه من عاداته القبيحة التي استخدمها في إشعال الفتنة، فليس هذا الكتاب هو الكتاب الوحيد المزور في هذه الفتنة؛ بل زُوّر غيره على ألسنة بعض الصحابة رضوان الله عليهم كعائشة، وعلي رضي الله عنهما. اهـ.
ومن ذلك أيضا قول الذهبي: كان أبوه قد طرده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف، ثم أقدمه عثمان إلى المدينة؛ لأنه عمه. فهذا لم يثبت.
قال الدكتور محمد الصبحي: ورد في بعض الكتب المتأخرة، فقد ذكره الرافضي المغالط ابن المطهّر الحلي المتوفي سنة 726. فقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية عنه أنه قال: "وطرد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحَكَمَ بن أبي العاص؛ عم عثمان رضي الله عنه من المدينة، ومعه ابنه مروان، فلم يزل هو وابنه طريدين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، فلما ولي عثمان رضي الله عنه آواه ورده إلى المدينة، وجعل مروان كاتبه وصاحب تدبيره، مع أن الله قال: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.
ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية من وجوه متعددة، أُجملها فيما يلي:
أ - أن كثيراً من أهل العلم طعن في صحة نفي النبي صلى الله عليه وسلم للحَكَم وقالوا: ذهب باختياره، وليس لقصة نفيه سندٌ يعرف.
ب - أنه إن كان قد طرد النبي صلى الله عليه وسلم الحكم فلا يكون ذلك من المدينة، كما قال الرافضي، بل يكون من مكة؛ لأن الطلقاء لم تسكن بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة، وليس أحد من الطلقاء الذين منهم الحكم هاجر إلى المدينة.
ج - أن مروان كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طفلاً صغيراً في أول سن التمييز، إما سبع سنين أو أكثر بقليل، أو أقل بقليل، فلم يكن له ذنب يطرد بسببه ... اهـ.
وقال الدكتور محمد الصلابي في كتابه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: لم يكن مروان الوزير الذي تجمعت تحت يده سلطات الدولة، إنما كان كاتبا للخليفة، وهي وظيفة تستمد أهميتها من قرب صاحبها من إذن الخليفة وخاتمه، أما ادعاء توريطه عثمان وإثارة الناس عليه لتنقل الخلافة بعد ذلك إلى بني أمية، فافتراض لا دليل عليه .. ثم إن عثمان لم يكن ضعيف الشخصية حتى يتمكن منه كاتبه إلى الحد الذي يتصوره الرواة. ولا ذنب لمروان بن الحكم إن كان في حياة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبلغ الحلم باتفاق أهل العلم، بل غايته أن يكون له عشر سنين أو قريب منها، وكان مسلما يقرأ القرآن، ويتفقه في الدين، ولم يكن قبل الفتنة معروفا بشيء يعاب فيه، فلا ذنب لعثمان في استكتابه، وأما الفتنة فأصابت من هو أفضل من مروان. بل إن خبر طرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبيه ضعيف سندا ومتنا، وتعقبه شيخ الإسلام ابن تيمية فأوضح تهافته وضعفه. وعُرف عن مروان بن الحكم العلم، والفقه، والعدل، فقد كان سيدا من سادات شباب قريش لما علا نجمه أيام عثمان بن عفان، وقد شهد له الإمام مالك بالفقه، واحتج بقضائه وفتاواه في مواطن عديدة من كتاب الموطأ، كما وردت في غيره من كتب السنة المتداولة في أيدي الأئمة المسلمين يعملون بها. اهـ.
ومن ذلك أيضا قول الذهبي في آخر الترجمة: وزهَّد الناس في خالد بن يزيد بن معاوية، ووضع منه وسبه يوما، وكان متزوجا بأمه، فأضمرت له الشر، فنام فوثبت في جواريها، وغمته بوسادة قعدن على جوانبها فتلف، وصرخن وظن أنه مات فجاءة. اهـ.
فهذا أيضا مما لا إسناد له، وتجد تفنيد ذلك في الكتابين السابقين!
والله أعلم.