الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأثر المذكور عن نوف البكالي ـ وهو مستور من كبار التابعين ـ رواه عنه ابن سعد في الطبقات وغيرُه, وذكره الذهبي في السير وتاريخ الإسلام، وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهما, قال ابن كثير في البداية والنهاية: وقال محمد بن سعد: أنبأ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا أبو عمران الجوني: أن نوفا كَانَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَارِسُ الْخُلَفَاءِ. اهــ.
والذي يظهر لنا أنه لم يعن بقوله: كتاب الله المنزل ـ القرآن، بل أحد الكتب السابقة، لأن نوفا كان من العلماء العارفين بها المكثرين من النقل عنها, فهو ابن امرأة كعب الأحبار، وقد قال عنه الحافظ في الفتح: تَابِعِيّ مِنْ أَهْل دِمَشْق فَاضِل عَالِم لَا سِيَّمَا بِالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَكَانَ اِبْن اِمْرَأَة كَعْب الْأَحْبَار... اهــ.
وقد كان يستعمل هذا اللفظ: لأجد في كتاب الله ـ ويعني به الكتب السابقة وليس القرآن، ومن ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسيره، حيث قال:.... عَنْ نَوْف ـ وَهُوَ الْبِكَالِيُّ، وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْكُتُبَ ـ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ صِفَةَ نَاسٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ: قَوم يَحْتَالُونَ عَلَى الدُّنْيَا بِالدِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَقُلُوبُهُمْ أمَرّ مِنَ الصّبرِ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ مُسوك الضَّأْنِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَعَليَّ يَجْتَرِئُونَ! وَبِي يغتَرون! حَلَفْتُ بِنَفْسِي لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ، قَالَ الْقُرَظِيُّ: تَدَبَّرْتُهَا فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا هُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَوَجَدْتُهَا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ـ الْآيَةَ. اهـ.
فظهر بهذا أنه يعني الكتب السابقة وليس القرآن.
والله أعلم.