الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على وجوب النية للصلاة، وأن الصلاة لا تصح بدونها، قال الخرقي: ولا نعلم خلافًا بين الأمة في وجوب النية للصلاة، وأن الصلاة لا تنعقد إلا بها. انتهى.
والراجح من أقوال الفقهاء أنه لا بأس بتقديم النية على تكبيرة الإحرام بوقت يسير، لكن مقارنتها للتكبير أفضل، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة، والمالكية:
قال الكاساني في بدائع الصانع: فإن تقديم النية على التحريمة، جائز عندنا، إذا لم يوجد بينهما عمل يقطع أحدهما عن الآخر، والقِران ليس بشرط. انتهى.
قال الشيخ الدردير في الشرح الكبير ممزوجًا بمختصر الشيخ خليل: (وبطلت الصلاة اتفاقًا (بسبقها) أي: النية لتكبيرة الإحرام (إن كثر السبق، كأن تأخرت عنها (وإلا) يكثر السبق بأن كان يسيرًا: بأن نوى في بيته القريب من المسجد وكبر في المسجد ذاهلًا عنها ( فخلاف) في البطلان؛ بناءً على اشتراط المقارنة، وعدمه؛ بناءً على عدم الاشتراط، وينبغي اعتماد الأول هنا؛ لوجوب اتصال أركان الصلاة، من غير اغتفار تفرق يسير، بخلاف الوضوء، إلا أن المأخوذ من كلامهم اعتماد الصحة.
وقال ابن قدامة في المغني: قال أصحابنا: يجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير، وإن طال الفصل، أو فسخ نيته بذلك، لم يجزه. انتهى.
وعليه؛ فإن كان هذا المصلي نوى الصلاة على الصفة المذكورة، فصلاته صحيحة؛ ولو ذهل عن استصحاب النية في أثنائها، وغاب عنه ذكرها، ما دام أتى بها في أولها؛ لأن النية لا تعتبر حقيقتها في أثناء العبادة.
أما إذا كان لم ينوِ الصلاة على الصفة التي ذكرناها، فصلاته غير صحيحة بإجماع العلماء، كما سبق، ويجب عليه إعادتها، وعليه أن يعلم أن محل النية القلب، وراجع الفتوى: 11235.
وإننا لنخشى من أن يكون السائل قصد بعدم حضور النية هنا: عدم حضور الخشوع.
ولذلك فإننا ننبه على أن الخشوع في الصلاة سنة، على الراجح من أقوال العلماء، وتركه لا يبطل الصلاة، وإن كان أجرها ناقصًا، وراجع في هذا الفتوى: 19893.
وإن بعض المصلين يحصل لهم كثير من الوساوس في صلاتهم، بحيث يعتقد أحدهم أن كل صلواته، أو أكثرها غير صحيح، فمرة يشك في النية، ومرة يشك في وضوئه... وهكذا.
والحل في هذه الحالة أن لا يلتفت إلى تلك الوساوس، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد بينا علاج هذه الوساوس بيانًا شافيًا في الفتوى: 10355.
والله أعلم.