الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على المعتدة أن تلزم بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي فيه - سواء كان مملوكا أو مؤجرا - حتى تنقضي عدتها؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا {الطلاق:1}. وقول النبي صلى الله عليه وسلم للفريعة بنت مالك بن سنان في الحديث الطويل: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. رواه مالك والترمذي والنسائي وأبو داود.
قال ابن قدامة في المغني: وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها: عمر, وعثمان -رضي الله عنهما-وروي ذلك عن ابن عمر, وابن مسعود, وأم سلمة. وبه يقول مالك, والثوري, والأوزاعي, وأبو حنيفة, والشافعي, وإسحاق. وقال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار , بالحجاز, والشام, والعراق, ومصر. وقال جابر بن زيد, والحسن, وعطاء: تعتد حيث شاءت. وروي ذلك عن علي, وابن عباس, وجابر, وعائشة رضي الله عنهم .... إلى أن قال: إذا ثبت هذا, فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به, سواء كان مملوكا لزوجها, أو بإجارة, أو عارية; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفريعة: امكثي في بيتك. ولم تكن في بيت يملكه زوجها . وفي بعض ألفاظه: اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك. وفي لفظ: اعتدي حيث أتاك الخبر. فإن أتاها الخبر في غير مسكنها, رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف، ولا سيما أصحاب المذاهب الأربعة، إلى أنه يجب على المعتدة من وفاة أن تلزم بيت الزوجية الذي كانت تسكنه عند ما بلغها نعي زوجها، سواء كان هذا البيت ملكا لزوجها، أو معارا له، أو مستأجرا. ولا فرق في ذلك بين الحضرية والبدوية، والحائل والحامل... .اهـ.
وإن كانت مضطرة لتغيير السكن بسبب خوف على نفسها أو عيالها، فلا حرج عليها في تغييره للضرورة.
فقد جاء في تحفة المحتاج: (وتنتقل) جوازا (من المسكن لخوف) على نفسها، أو نحو ولدها، أو مال ولو لغيرها كوديعة وإن قل، أو اختصاص كذلك فيما يظهر (من) نحو (هدم أو غرق) أو سارق (أو) لخوف (على نفسها) ما دامت فيه من ريبة للضرورة. وظاهر أنه يجب الانتقال حيث ظنت فتنة؛ كخوف على نحو بضع، ومن ذلك أن ينتجع قوم البدوية وتخشى من التخلف كما يأتي (أو تأذت بالجيران) أذى شديدا أي لا يحتمل عادة فيما يظهر .اهـ.
وجاء في الإقناع وشرحه: وإن مات صاحب السفينة وامرأته فيها ـ أي السفينة ـ ولها سكن في البر فكمسافرة في البر على ما يأتي تفصيله. وإن لم يكن لها مسكن سواها أي السفينة، وكان لها فيها بيت يمكنها المسكن فيه بحيث لا تجتمع مع الرجال، وأمكنها المقام فيه أي في مسكنها بالسفينة بحيث تأمن على نفسها ومعها محرمها لزمها أن تعتد؛ لأنه كالمنزل الذي مات زوجها وهي به، وإن كانت السفينة ضيقة وليس معها محرم، أو لا يمكنها الإقامة فيها إلا بحيث تختلط مع الرجال لزمها الانتقال عنها إلى غيرها لتعذر الإقامة بها عليها. اهـ.
والله أعلم.