الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد، وصححه الألباني.
ولذلك، فإن دعاءك لن يضيع، فقد يصرف الله عنكم به من البلاء والمصائب ما هو أشد، وإذا أصابكم ما تكرهون فقولوا كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: قدر الله وما شاء فعل. رواه مسلم.
ولتعلمي أن استجابة الدعاء لها شروط ينبغي للداعي أن يراعيها، ولها أسباب ينبغي الأخذ بها، وموانع ينبغي تجنبها، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 11571، 17449، 32655، 8581.
ولا ينبغي لأمك ولا لغيرها أن تتشاءم بك أو بغيرك، وقد بينا حكم التشاؤم والتطير وكيفية الخلاص من ذلك في الفتوى رقم: 68888، وما أحيل عليه فيها.
وعليك أن تحذري من الخلافات مع أبويك والشجار معهما أو التقصير في حقهما، وأن تحرصي على برهما وطاعتهما في المعروف، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
وتقصيرهما في حقك لا يبرر التقصير في حقهما، ولكن لا يجوز لهما الدعاء عليك ولا على غيرك بغير حق شرعي، وخاصة الدعاء باللعنة فإنه لا يجوز، فقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم عنه أشد النهي وقال: لعن المؤمن كقتله. رواه البخاري ومسلم.
وانظري الفتوى رقم: 35538.
وفي خصوص ما ذكرته عن أبيك من فعل الخير لوجه الله وللخوف من ذم الناس أو رجاء مدحهم. فإن عليه أن يحذر من أن يقصد بعمله غير وجه الله عز وجل وحده، ويحذر من المقاصد التي تبطل العمل، فإن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، موافقاً لما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد صح في الحديث أن الله عز وجل يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم.
وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما. ذكره النووي في المجموع.
أما إذا كان العمل خالصاً لله تعالى لم يدخله قصد سيئ فحمده الناس عليه دون أن يقع منه تعرض لذلك، فهذا لا يضره، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 40090، 132129، 57382، وما أحيل عليه فيها.
وتقصير والدك في الصرف على بيته مع القدرة على ذلك، فإن كان ذلك فيما يجب عليه من النفقة وتوابعها فإنه لا يجوز لما فيه تضييع ما فرض الله عليه، ويجوز لمن لهم نفقة على الأب أن يأخذوا من ماله ما يكفيهم بالمعروف، لما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهند بنت عتبة: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. رواه البخاري.
ومن ذلك مصروفات علاج الأولاد، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 33898، 19453، 56114.
وإذا كان للأولاد مال يكفيهم فلا تجب على الأب نفقتهم، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 23776، ورقم: 66857، وما أحيل عليه فيهما.
ولذلك، فإذا كان لك مال فإنه ليس على أبيك نفقتك ولا دفع تكاليف العلاج عنك، وعليك أن تصرفي على نفسك من مالك الخاص أو ببيع جزء من ذهبك أو غير ذلك، وليس في ذلك تبذير، والمذموم هو تقتيرك على نفسك وعدم النفقة عليها مع وجود المال، وفي هذه الحالة يحرم عليك وعلى أمك ـ إن كانت مطلقة منقضية العدة ـ الأخذ من مال أبيك بدون إذنه ورضاه.
والله أعلم.