الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتويين رقم: 9213، ورقم: 62781 أن الأجداد والجدات كالآباء والأمهات في وجوب البر والصلة.
وهل بر الجد والجدة لأب مقدم على الجد والجدة لأم؟
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك. رواه مسلم.
قال النووي في شرح مسلم: قال أصحابنا: يستحب أن تقدم في البر الأم, ثم الأب, ثم الأولاد, ثم الأجداد, والجدات, ثم الإخوة, والأخوات, ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام, كالأعمام, والعمات, والأخوال, والخالات, ويقدم الأقرب, فالأقرب ...
وقال الملا علي القاري في المرقاة في شرح حديث ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
«إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ» أَيْ: أَفْضَلُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَالِدِهِ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ, أَوْ هِيَ بِالْأُولَى «صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ»: بِضَمِّ الْوَاوِ أَيْ: أَصْحَابُ مَوَدَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْوُدُّ: الْحُبُّ وَالْمُحِبُّ, وَيُثَلَّثُ. اهـ. وَإِرَادَةُ الْمَعْنَى الثَّانِي أَبْلَغُ هُنَا - كَمَا لَا يَخْفَى - «بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ»: بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ, أَيْ: يُدْبِرُ وَيَغِيبُ بِسَفَرٍ, أَوْ مَوْتٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، فَيَكُونُ أَخْلَصَ, فَأَجْرُهُ أَكْثَرُ. انتهى.
فقد يُؤخذ من كلام صاحب المرقاة تقديم الجد والجدة للأم؛ لأنه من بر الأم، وبرها أوجب من بر الأب، وظاهر كلام النووي تساويهما؛ لأنه لم يفرق بين الأجداد، والجدات، ومحل التقديم إنما يكون عند التعارض - رزقنا الله وإياك البر والصلة -.
ولا ينسب الابن إلى جده لأمه، وإنما يُنسب إلى أبيه، وجده، كما جرت بذلك سنة المسلمين، فيقولون: فلان بن فلان بن فلان.
وأما دخوله في ذرية الجد لأم فمحل خلاف، قال في عون المعبود: (وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ) بضم المعجمة, وقال ابن حَجَرٍ: وَيَجُوزُ كَسْرُهَا, مِنَ الذَّرْءِ, أَيِ: الْخَلْقِ, وَسَقَطَتِ الْهَمْزَةُ, وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ, وَهِيَ نَسْلُ الْإِنْسَانِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى, وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ, إِلَّا أَوْلَادَ بَنَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إليه في الكفاءة وَغَيْرِهَا, فَهُمْ هُنَا أَوْلَادُ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا - وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ بَنَاتِهِ, لَكِنَّ بَعْضَهُنَّ لَمْ يُعْقِبْ, وَبَعْضَهُنَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ.
وجاء في الجوهرة النيرة على القدوري: قَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ .. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَوَلَدُ وَلَدِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ أَيْضًا, وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ وَلَدُ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ لَيْسُوا بِعَقِبٍ لَهُ. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: الفصل الثاني: إذا وقف على قوم، وأولادهم، وعاقبتهم، ونسلهم. دخل في الوقف ولد البنين، بغير خلاف نعلمه, فأما ولد البنات، فقال الخرقي: لا يدخلون فيه. وقد قال أحمد في من وقف على ولده: ما كان من ولد البنات فليس لهم فيه شيء ... وممن قال: إنه لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي على أولاده وأولاد أولاده مالك، ومحمد بن الحسن, وهكذا إذا قال: على ذريتهم ونسلهم, وقال أبو بكر، وعبد الله بن حامد: يدخل فيه ولد البنات, وهو مذهب الشافعي، وأبي يوسف؛ لأن البنات أولاده، فأولادهن أولاد الأولاد حقيقة، فيجب أن يدخلوا في الوقف؛ لتناول اللفظ لهم، وقد دل على صحة هذا قول الله تعالى: {ونوحًا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان} [الأنعام: 84] إلى قوله: {وعيسى} [الأنعام: 85] . وهو من ولد بنته، فجعله من ذريته، وكذلك ذكر الله تعالى قصة عيسى, وإبراهيم, وموسى, وإسماعيل, وإدريس، ثم قال: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل} [مريم: 58] ... اهـ.
والله أعلم.